كتب الروائي علي المقري مقالاً تحدث فيه عن ما شاهده خلال خروجه لأحد شوارع العاصمة صنعاء، مختتماً في سياق كلامه عن المرأة التي بكت اثناء سماعها للنشيد الوطني بصنعاء. المصدر أونلاين ينشر نص المقال
ساعات طويلة مشيتُها اليوم في شوارع صنعاء. لم أكن قد خرجت من البيت منذ فترة. قابلتُ عدداً من الأصدقاء، وفي المساء تركتهم ورجعت وحيداً.
في الطريق رأيتُ شابين مسلّحين بلباس مدني ينظمون حركة السير فقلت لهم: السلام عليكم. نظرا إليّ باستغراب ولم يردّا. رأيتُ بعدها وأمام مجمع الدفاع جنديين بلباس عسكري فحييتهما أيضاً فردا عليّ.
كنتُ أشعر، وأنا أوجّه التحيّة على هذا النحو، أنَّ سلوكي هذا نادر. سألت نفسي إلى أين سيذهب هؤلاء الفقراء غداً. وفي أي جبهة سيكونون؟ كنت أمشي على مقربة من احتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962. تلك الثورة التي رفعت شعار إزالة الفوارق بين الطبقات وإنهاء الحكم الاستبدادي الفردي والعائلي.
عدتُ إلى البيت وبي غصّة من رؤية المسلحين وهم يتكدّسون فوق سيّارات ويملئون كل شوارع وأزقة صنعاء. إلى أين سيمضي هؤلاء، وماذا سيعملون بأسلحتهم؟ كنتُ أسأل نفسي. وما أن كدت أصل إلى البيت حتى أخبرني أحدهم أن هناك من قتل أربعة شبّان في الحارة المقابلة، بمسدسات كاتمة للصوت، واختطفوا آخرين. ازدادت الغصّة، فتشاغلت إذ فتحت صفحة الفيس بوك، لكنني ما أن أكملت الرد على رسائل أصدقائي اليومية، حتى رأيت هذه الصورة لصديقي الفنّان فؤاد الحرازي التي التقطها أثناء حفل في ذكرى ثورة سبتمبر رُدد خلاله النشيد الوطني، النشيد الذي أبكى صاحبة الصورة في هذا الظرف الصعب من تاريخ اليمن. أنأ أيضاً، أيتها السيّدة الطيبّة، اشعر بألم لا يقاس وقد رأيت صنعاء اليوم على هذا النحو. أشعر بغصّة تكبر كل لحظة وتسّاقط من عمري كوحشة. لهذا اسمحي لي، أيتها السيدة، أقاسمك التحيّة لسبتمبر المنسي، أو الذي هو الآن في طريقة للنسيان. اسمحي لي أقاسمك دمعتك وأقبّل يدك المنقوشة بالحنّاء والتي لم تتلوث في يوم من الأيّام بحمل السلاح.