لم يكن يخطر ببال اليمنيون هذا الشعب المنحوس بنرجسية حُكامه منذ أكثر من نصف قرن أن يصوم الدهر ويفطر ببصلة ، فبعد أجهضت ثورة 2011 من قبل الإسلام السياسي بشقيه الطائفي والمؤسسة العسكرية الجنرال المنشق المتحالف مع القبيلة فهؤلاء قد أزيحوا الى غير رجعة مع كل اللعنات ، والغريب بأن انتصار انصار الله قد جاء بيد من دخل معهم في ستة حروب وقتل زعيمهم السيد حسين الحوثي ، الاشكال اليوم بأن طريق اليمنيون منذ 21 سبتمبر ليس مفروشاب الورود فسيكون لانصار الله سبب مجئ القاعدة والمتطرفين الى قلب صنعاء . يرى البعض بأن اليمنيون بعد الاحداث الاخيرة قد انتقلوا من زاوية هيمنة جهة إقليمية عربية إلى أخرى أعجمية ، وهؤلاء الذين يهيمنون على المشهد السياسي اليوم دائبوا على انتقاد خصومهم من الإصلاح ويتناسون ما يحدث اليوم من خلط الأوراق واستدعاء القاعدة لمقارعتهم بدليل الأحداث التي جرت في الأيام الماضية في مارب والبيضاء وسواهما .
فإذا كان الإصلاح في الحكومة المُطاح بها قد شارك بصورة ديمقراطية وليس بتهديد السلاح وبصورة توافقية في الحكومة المؤقتة بناء على المبادرة الخليجية ،وبغض النظر عن ارتكابه بعض الاخطاء ولكنها في سياق عملية سياسية توافقية تكاملية ، وكانت الحكومة المنصرمة على أعتاب الرحيل في سياق خريطة الطريق بعد مؤتمر الحوار وعلى اعتاب الدستور الجديد ، وللعلم فأنه لم يكن الوحيد في المشهد حيث كان جزاء من ما عرف بأحزاب اللقاء المشترك ، وكان الحوثيين أنفسهم جزاء من تلك الحكومة التي سيطر عليها بما لا يقل عن النصف وحسب تلك المبادرة .
ومن كان يفترض بأن ثورة 11 فبراير قامت ضده غدا مشاركا بأكثر من نصف السلطة والحكومة ، انتهت بفتح أبواب صنعاء امام خصومة فالسياسة لا تعرف الخصومة الدائمة وانصار الله الذي قتل الرئيس السابق زعيمهم ، تناسوا ذلك فالايدولوجيا تتوارى اما المصالح الانية ، فبدلا من الشروع برأس الرئيس السابق فقد منح الامان ، لان المقابل كان كبيرا بالطبع
لم يكن بأمكان انصار الله الخروج من كهوفهم في صعدة ومران والوصول لعمران ومن ثم اسقاط صنعاء بقوة السلاح لولا تواطئ الرئيس السابق والدولة العميقة فالمؤسسة العسكرية في اغلبها تدين له بالولاء ، لانه ببساطة كان جيش طائفي ، هذا الجيش والمؤسسة الأمنية التي كان يصرف لها أكثر من ثلث ميزانية اليمن و من قوت المواطن ، أصبح الجيش ليس فقط محايدا بل مشاركا بدليل قيادة قافلة من الدبابات والتي لا يمكن التعامل معها وسياقتها الا من عناصر محترفة ، فقد شاهد المواطنون بالعين المجردة قافلة من الدبابات والمعدات العسكرية الثقيلة تخرج من المعسكرات الى عمران وهنا سؤلان يطرحان للمراقب ، لماذا تتجه شمالا وليس جنوبا او تبقى في مكانها طالما صاروا هم الحاكمين السؤل الأهم من يستطيع سياقة هذه الأعداد الضخمة من الدبابات والمصفحات الا فريق عسكري من المحترفين.!
فتح ( بيضة الاسلام) عاصمة اليمن اشبه بسقوط بغداد حيث كان الذهول سيد الموقف لبضعة أسابيع بل وشهور ولم تأتي ردود الأفعال في بلاد الرافدين الا بعد فترة ، ونخشى في اليمن ان يكون الحال بهذا الصورة فالأحداث بدأت تشير بأن شئ ما يخطط داخليا وخارجيا فالقاعدة التي كانت في المحافظاتالجنوبية وكادت ان تحتضر بفعل ضربات الدولة ، وغدت تكرس نشاطها في المحافظات الشمالية ، فالعنف يولد العنف وقد يلقى له حاضنة على غرار (داعش) في العراق بعد التنكيل بأهل السنة في ارض السواد ، في المشهد اليمني اصبح المواطن يراقب ويرصد أعمال وسلوك الفاتحين وكذا هيئات حقوق الانسان رصدت سلسلة من التجاوزات التي يندى لها الجبين .
الأوطان تضيع في زمن المليشيات ، وعلى اليمنيون ان يتعلموا دروسا مشابهة كالعراق التي يسطر عليها أحزاب دينية بمليشيات ، وقد تخلص اليمنيون من اعتي حكم عسكري متحالف مع القبيلة والإسلام السياسي ولكنه دخل حقبة أخرى أكثر غموضا وتطرفا ، لتبدءا مرحلة (مظلومية أهل السنة) الذين يشكلون الأغلبية في اليمن ، بعكس العراق الذي حكمه السنة من عدة قرون بدأ بالعثمانيين ومرورا بالحكم الملكي السني وانتهاء بحكم قاسم والاخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف ومرحلة البعث ، ورغم شيعة العراق العرب أكثر من سنته ، بينما في اليمن العكس صحيح ، الزيدية اقل من ربع السكان وهم الذين حكموا اليمن أكثر من ألف سنة ، وحتى العصر الجمهوري منذ مطلع السينيات وحتى اليوم ، لدى الشجاعة بأن اؤكد بأن اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي هم من لون واحد وجهة واحدة ومذهب واحد ، فأين بقية اليمن ؟
ومن هنا فلا مستقبل للإسلام السياسي في اليمن ، وإنما الدولة المدنية التي تضمنها مخرجات الحوار الوطني ومشروع الدستور والذي كان سيعرض للاستفتاء بعد اسابيع فسبقته الأحداث الأخيرة ، لتحقق انتصارات وتفرض امر واقع ، وندخل مرحلة انتقالية اخرى . فهل قدر للشعب اليمني ان يكون حقل تجارب لمراهقي السياسة .
لقد استغل الفاتحون ضعف الدولة وتصارع أركانها وهموم الشارع وشظف العيش والجرعة القاتلة لتحقيق مشروعهم ، ولاحظ الكثيرون مدى ديماغوجية وتكتيت هؤلاء وتأخير توقيع اتفاق الشراكة ، وحسب قناة( سكاي نيوز عربية) فأن 76٪ من اليمنيين يتوقعون ان لا يصمد اتفاق السلم والشراكة ، بدليل التجاوزات بعد التوقيع وحتى بعد توقيع الملحق الأمني والعسكري..
كما ان جمال بن عمر نفسه يبدي تشاؤمه للقناة مما يحدث فيما يتعلق بصمود الاتفاق، ويعترف ان هناك خطورة من محاولات لتقويض الاتفاقية، ويؤكد انهم ابلغوا الحوثيين بخرقهم الاتفاقية ، ويقول ان الحوثيين فرضوا الأمر الواقع باحتلال مسلحيهم العاصمة.
في خضم هذه الغوغاء يرى العقلاء من أبناء اليمن بأن الوطن رغم انه على كف عفريت بخلط الأوراق ولكن قد لاينزلق في حرب اهلية طائفية وشخصيا اتوقع ذلك ايضا ، إلا إذا مولت بعض الأطراف الإقليمية تشكيل جماعات مسلحة تستهدف أنصار الله ، ونتمنى أن لا يحدث ذلك ، لكن الإشكال الآخر بأن القاعدة قد انتقلت من كل أنحاء الجزيرة العربية في عهد الرئيس السابق لليمن وأوكل لليمن مقارعة تلك الجماعات بالنيابة عن دول الخليج ، ولكن النظام السابق لم يكن جادا في مقارعتها وكذلك حروبه في صعدة كانت مجرد حرب تحريك وليس تحرير ، للفت انظار المجتمع الدولي ، ومن هنا يُخشى بأن الامور قد لا تستتب وحتى اقتصاديا فالعالم سوف يحاصر اليمن طالما قد اعتبر جماعة انصار الله ارهابية ، والقاعدة بدلا ان كانت في جنوباليمن سوف تنتشر في كل اليمن .
وفي سياق انجرار اليمن لأسواء النماذج فغداة الربيع اليمني قب لنحو أربعة أعوام قسمت الحكومة سياسيا ومحاصصة واليوم سيضاف الطائفي بحيث تكون الصيغة اليمنية الجديدة للحكم مزيجا من سلبيات العراق ولبنان برؤية ايرانية . !
توغل أنصار الله في الدولة بدأ منذ الاعتراف بهم في الحوار الوطني ويومذاك كان يفترض تسليم سلاحهم والتحول لحزب سياسي ومن هنا فالأخطاء المركبة والمتلاحقة هي التي جعلت منهم مكون اساسي في الوقت الذي يتحركون فيه على الأرض ليخلقوا كل يوم واقع جديدا ويتفاوضون كل مره من اخر انتصاراتهم ..وترتفع بالتالي مطاليهم فما كان مستحيل وغير مستحق بالامس اصبح اليوم مطلبا شرعيا لهم ..
عندما يرى المراقب والمتابع بل وكل مواطن لبيب مايجري على ارض الواقع من انهيار متواصل لأجهزة الدولة ومؤسسته العسكرية فكيف تسقط عاصمة دولة بدون أي مقاومة وبداهة فأن ذلك كان انقلاب ناعم شارك فيه الرئيس السابق .
بعد (الفتح المبين) تم اجتياح المؤسسات والوزارات والمنشأت الحكومية مدنية وعسكرية وكذا منازل خصوم الفاتحين ، حتى غرف النوم لم تسلم من ذلك وهذا ليس تجني او دعاية مضادة فقد وثقته هيئات مستقلة لحقوق الانسان بل وتم نشره من أنصارهم ندينهم من أفواههم .
لا يختلف اثنان بأن اجتياح صنعاء قد خلط الأوراق فأحداث الأسبوع المنصرم قد قلبت الأوضاع رأسا على عقب الجرعة القاتلة ستعيد اليمن الى المربع الأول ، النخب الوطنية لا تحبذ انقلاب ولكن لو حدث انقلاب عسكري من داخل المؤسسة العسكرية وبدوافع وطنية لكان أفضل وسيفرض نفسه على المجتمع الدولي كأمر واقع هذا السيناريو المفترض كان مناسبا لليمن لان الانقلابين سيفترض بأنهم ليسوا مؤدلجين وبالتالي سيكون عودة الديمقراطية ممكنا مثلما حدث في موروتانيا على سبيل المثال ، وطبعا في هذه الفرضية اذا وعد ببسط الأمن والتهيئة لمرحلة انتقالية قصيرة تنتهي بما اتفق عليه اليمنيون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي طال امده وخروج الدستور الى النور .
ولكن ما حدث في اليمن مؤخرا استبق خريطة الطريق وادخل اليمن في صراع طويل قد لاينتهي الا بعد عقود لان إيران لن تترك وتسلم بسهولة فإيران قد كسبت نقطة هامة حاصرت الجزيرة العربية من اغلب الاتجاهات . وستقايض بها في مناطق أكثر سخونة كسوريا ولبنان .