لطالما ردد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل مع كل نقاش حول تجوله في شوارع العاصمة ، راجلاً ، وحيداً ، أعزلاً ، " حارسي أجلي " ، ولطالما ردد على مسامعنا " من هدأ ضميره نام الرعود تقصف" ، و"عمر الشقي بقي" ، لطالما قال " قوتي في ضعفي " . كان أقدس تسابيحه "بناء الدولة" ، لم يتوقف يوماً واحداً عن الدعوة والعمل لأجل هذا الهدف ، يثابر يومياً بروح شاب عشريني . حتى حين غيبته محاولة الإغتيال الأولى في 1 نوفمبر 2011 لأسابيع كانت تمتمته في غيبوبته الأنيقة فكرة الدولة والديمقراطية والحقوق . يحرص على مناقشة سائق التاكس ، وعامل البقالة ، والشخص الجالس على الرصيف ، والبائع المتجول ، كما يناقش السفراء والوزراء والقيادات العليا ، بذات الحماس ، وذات القدرة على الإستماع . يبادر بالتواصل والسؤال والسلام ، لا يرد أي شخص يتواصل به أو يطلب زيارته ومناقشته ، لا يسأل من هو وما هي خلفيته . نتناقش كثيراً ، نتفق ونختلف ، ترتفع أصواتنا ، ونحتد ، ويبقى هادئاً ، مستمعاً ، مبتسماً ، وإن أحس بشيء في نفوسنا بعد كل نقاش بادر بتطييب الخاطر ، برمانة ، أو برتقالة ، أو بقفشة من قفشاته النادرة . كان أباً وصديقاً أنيقاً ، حيوي ، خلاق ، بلا ضغائن ، ولا عقد ، يعيش الهم العام وقضايا الناس في كل لحظة .
لقد كنتُ محظوظاً إذ اقتربت من شخصية فذة ونادرة كما الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ، عايشت معه الكثير من التفاصيل ، تعلمت الكثير من مدرسته الإستثنائية ، كان أباً وصديقاً لقلما يجود الزمان بمثله .
كثيراً ما طلب في اجتماعات العائلة أن نقيمه ، ويطلب الآراء الناقدة ، كان يستمع للكبار والصغار باهتمام وتركيز ، ويردد في مفتتح هكذا نقاش : رحم الله امريء أهدى إلي عيوبي " .
ما نستطيع أن نفعله الان - ونحن العُزل مثلك - في مواجهة القاتل ومن يقف خلفه هو سرد مناقبك وسيرتك ، التذكير بجوهرك ومشروعك ، مشروع السلام الذي حملته على عاتقك لسبعة عقود ، حتى اللحظة الأخيرة من حياتك ، حلمك المنشود ، الوطن اللائق لنا ولأولادنا .
أبي الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ..
سأفتقدك كثيراً ، كنموذج مدني ، ديمقراطي ، يمشي على الأرض ، سنفتقدك كإنسان ، كأب ، كصديق . لا يمكن أن تفيك الكلمات ولو بعض حقك ..
عزاؤنا أبي الدكتور في الرصيد الذي تركته ، سيرتك الحافلة والعطرة بالعمل من أجل الناس ، وبالمثابرة والنزاهة ، حب ملايين الناس .
عزاؤنا أبي الدكتور في الثروة التي أودعتها هذا البلد ، الدكتورة إلهام ، والدكتورة إنطلاق ، وريدان ، وقبول ، ورضية ، ككفاءات معطاءة مثلك ، تلتزم قيمك وتقتفي أثرك .
وعزائي أنا بالإضافة لكل ذلك ، في بعض منك يشاركني كل حياتي ، مثلك قيم تمشي على الأرض ، قرة عيني ، إبنتك ، وإبنة قلبي .. رضية