على نحو أربعين كيلو متراً شمالي العاصمة صنعاء كان عبدالعزيز الصبري يوثّق بكاميراته آثار آلة الحرب، ارتص عدد من الأطفال والنساء ينوحون على ماضيهم، والصورة ليست لشاعر جاهلي وقف على الأطلال لرثاء الحبيب، بل لطفل تعلم في سنواته الأولى أن هناك ظلماً وبؤساً وتنكيلاً. نابت الكاميرا عن الحديث عمّا آلت إليه الأحداث، وعن سبر أغوار العيون التي قلّما استطردت أمام الغرباء في سرد رواية النكبة، وأحداث التغريبة الأولى لهم، ربّما كان وقتها مسلحو جماعة الحوثيين يطوقون منزلاً جديداً تمهيداً لمشهد دراماتيكي توثّقه عدسات الكاميرات لركام يتطاير في الهواء. بدت أنقاض المنازل مسوية بالأرض ولا شيء يضاهي جريمة أن يبلغ بك الفجور في الخصومة أن تشرِّد أطفال أعدائك وأن تنسف على رؤوسهم سقوف منازلهم، لجماعة الحوثيين التي سيطرت على مديرية أرحب أواخر العام الماضي سجل طويل من ذلك.
واعتادت جماعة الحوثيين على تفجير منازل خصومها بدءاً من معاركها في دماج وحاشد وهمدان وإب وانتهاءً بأرحب، ودأب مسلحوها على أن يتفننوا في هدم المباني، وأضحى هذا النشاط التفجيري أحد منطلقات الجماعة المسلحة في التنكيل بالخصوم. تبرر الجماعة بأن تلك الديار والمنازل هي تجمّعات لمن تسميهم «التكفيريين والدواعش»، وتقصد بذلك أنصار تنظيم الشريعة الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يُكفّر مسلحي الجماعة وأنصارها دينياً ويصفهم ب«الروافض»، ويخوض ضدهم معارك ضارية في مدن وبلدات يمنية عدّة.
يقول أحد قادة الجماعة «لن نتوانى لحظة واحدة في تفجير وقصف المنازل التي نعتقد بأنها باتت منطلقاً لنشاطات التكفيريين، ومن حقنا وواجب علينا أن نفعل ذلك»، بيد أن ضحايا تفجير المنازل يقولون إنهم أبرياء ولا علاقة لهم ب«الدواعش». «لا زد احترموا مكلف ولا زد احترموا طفل ولا زد احترموا بيت، كانوا يفجروا البيت وهولا كلهم الاطفال كان يصيحوا بكل الصوت وهم بيفجروا واحنا تحت الاستهداف»، لخصت امرأة عجوز بكلمات متهدجة رد فعل السكان المغلوبين على أمرهم عقب تفجير مسلحي الجماعة منازلهم.
وبينما كانت نشرة الأرصاد الجوية تحث قاطني المناطق المرتفعة على ارتداء الملابس الشتوية، وتأخير موعد خروج الأطفال إلى مدارسهم اتقاءَ موجة برد قاسية تصل إلى أربع درجات تحت الصفر في محافظة صنعاء، كان عدد من النازحين في أرحب يجدّون في البحث عن ملجأ. يقول السكان إنهم يعيشون ظروفاً صعبة، يلخصونها في صيغة حكائية عن تراتبية التشرد «عايشين خارج بلادنا وقرانا ومنازلنا، مطاردين ومشردين، يعني ما نجي هنا لقرانا إلا نادراً، نحن خائفين وهذه بيوتنا قد هي تراب».
قعدت بأدب جمْ وبعينين زائغتين في محجريهما وبأسمالها المتسخة، كانت تنتظر من عبدالعزيز أن يوثقها ضمن رواية مأساوية تراجيدية على أنقاض الديار التي نُسفت على أيدي أخوتها.