يوماً بعد آخر يثبت الحوثي أنه صاحب مشروع لا علاقة له بمشكلات الوطن ولا بهموم الشعب بدليل أنه أصبح مشكلة إضافية وفي كل خطوة يقوم بها يعزز الانقسام ويضيف أزمة فوق الأزمات التي تطحن اليمن، ولن يكون إعلانه الأخير الذي وصفه بالدستوري آخر المهازل؛ هكذا قال في إعلانه وهكذا كان قبل الإعلان، وكأنه صفة التمرّد التي التصقت به منذ عقد من الزمن أصبحت عُقدة نفسية لديه ينطلق من خلالها ويعمل وفقها ولايريد الفكاك منها!. في حفلته الأخيرة بالقصر الجمهوري والموسومة ب"الإعلان الدستوري" جسّد الحوثي المثل المصري الدارج "هبلة مسّكوها طبلة" وترك المتابعين في حيرة التساؤل: هل يفهم الحوثي معنى الإعلان الدستوري بمدلوله وأصوله وشروطه، أم هي "بلطجة" متقدمة تتوّج ما أخذه بقوة السلاح ومن ذلك القاعة الرئاسية التي أقام فيها حفلة "المزاد السياسي" معلناً فيها فتح المزاد على 551 مقعداً أطلق عليهم اسم المجلس الانتقالي، وخمسة مقاعد سمّاها المجلس الرئاسي، وكل تلك "الوظائف الشاغرة" في لجنته الثورية تستلزم موافقة اللجنة، وهذه الأخيرة جهة مجهولة أشبه بعصابة كل ما تجيده هو اقتحام البيوت والمقرات الرسمية والحزبية والأهلية!.
برّر الحوثي فعلته الأخيرة – في سياق إعلانه الدستوري- بأنها نتيجة استقالة الرئيس هادي، وهذا النوع من التغابي يفيد بمستوى العقلية الذرائعية التي تسكن الذهنية الحوثية، وقد أدمن الحوثي التبرير لكل ما قام به سابقاً من حروب ومواجهات واجتياحات وجرائم قتل ونهب، وما إن يحقق أهدافه تتضح أكاذيب تبريراته وكأنه يقول لنفسه في كل موقف: ولك الكذبة التي تحتاجها في وقتها!. فبنى مرحلته الجديدة على استقالة الرئيس دون أن يدع للمتابع فرصة التساؤل والنقاش حول كيف ولماذا استقال الرئيس هادي، وقد كان شريكاً للحوثي في آخر الاتفاقات العلنية –والسريّة إن صحت الأخبار عنها- ثم ماهي الضمانات المعتبرة لأي شراكة مع الحوثي مستقبلاً؟، وهذا واحد من أسئلة كثيرة تقدح في نزاهة الحوثي، وأنه غير مؤتمن على حاضر ولا على مستقبل اليمن!.
وصل الحوثي إلى القصر الجمهوري بقوة السلاح وهو لم يسيطر بعد إلا على نحو 25% من البلد وصاغ إعلانه الذي حلّ بموجبه البرلمان المنتخَب بعد أن حاصر الرئيس المنتخَب واضطره للاستقالة وضيّق على الحكومة المشكّلة حديثاً واضطرها أيضاً للاستقالة، وهو حريص على "وضع اليد" على الدولة بلا استفتاء ولا انتخابات؛ لأنه يدرك حجمه جيداً، ولو لم يكن يدرك حجمه الطبيعي لما استخدم أصلاً السلاح في التوسع الجغرافي خلال أشهر قليلة وصولاً إلى اختطاف الدولة ومحاصرة رموزها.
ينعقد الأمل اليوم على القوى الفاعلة في المجتمع اليمني لإنقاذ الوطن من براثن الانقسام والفوضى التي يتصدرها الحوثي، وتلك القوى كشباب وأحزاب ومنظمات مدعوّة اليوم للقيام بمسؤولياتها التاريخية وبناء تحالفات جديدة وجادة لمواجهة الوضع القائم مسنودة بمواقف الأشقاء والأصدقاء التي تلتقي مع موقفهم الرافض لما حدث ويحدث.