الأداء السياسي والميداني لجماعة الحوثيين (أنصار الله) يقدم خيارين لا ثالث لهما: التسليم بالانقلاب أو الذهاب إلى حرب أهلية لا تبقي ولاتذر (أنا أو الطوفان). ومع مرور الوقت وفشل الجماعة في الذهاب إلى أحد الخيارين إلا أنها لا تبحث عن خيار ثالث يبدأ بتراجعها إلى الخلف خطوتين بدلاً من القفز في المجهول.
التسليم والاعتراف بالانقلاب لم ينجح داخلياً ولا خارجياً، والحرب الأهلية التي لم تندلع في 21 سبتمبر يصعب التكهن باندلاعها بعد ذلك.
الورطة في اليمن ليست حوثية فقط وإنما ورطة محلية وإقليمية ودولية، والمفارقة أن الحوثيين وهم أكثر المعنيين بهذه الورطة، يتحركون باسترخاء غريب!
فشل الحوثيون حتى الآن في تسويق الانقلاب وفي إشعال حرب أهلية، وسينتصر اليمن في مواجهتهم بإجهاض هذين الخيارين.
على أي شيء يراهن الحوثيون: على الدعم الإيراني، والفيتو الروسي، وتقديم أنفسهم كحائط صد أمام تنظيم القاعدة؟ لا أظن ذلك ذلك كافياً لانتشال الحوثي من المأزق الراهن؟ أما الإصرار الغريب على التحدث باسم الشعب، واعتبار كل الأطراف ممثلة للفساد فهو أقرب إلى الحالة النفسية المستعصية التي لن يبرأ منها الحوثيون إلا بصدمة.
تتشكل ملامح حالة وطنية جديدة في اليمن بفعل العناد الحوثي هذه المرة، وحتى لو استمرت المكايدات والمزايدات وأجواء عدم الثقة بين الأطراف السياسية الرئيسية، فإن الحوثيين مصرون على تصنيف أنفسهم في كفة والمجتمع بكل فئاته في كفة أخرى!
حالة نادرة من العزلة المحلية والإقليمية والدولية تحيط بطرف سياسي يتكئ فقط على خيوط واهية من التحالفات والتفاهمات، باستثناء ارتباطاته بطهران، ومع ذلك يصر على التمادي والانطلاق نحو المجهول.
ما حدث في مجلس الأمن الدولي مؤخراً يؤشر بوضوح الى أن الفاعلين الدوليين ينوون تكرار ما فعلوه في سوريا، ولهذا على الحوثيين أن لا يستبشروا كثيراً بالمساندة الروسية في مجلس الأمن، لأن تكرار السيناريو السوري في اليمن لن يترك للحوثيين شيئاً ليحكموه، أو يفاخروا بإنجازه.
وما حدث في الأيام الأخيرة يشير إلى أن الفاعلين الدوليين اختاروا ترك اليمن يواجه محنته دون تحمل تبعات ما قد يحدث بعد ذلك، فالاستمرار في توفير غطاء أممي للانقلاب لم يحظَ بتأييد كافٍ وخاصة في دول الجوار المعنية أكثر من غيرها بالملف اليمني، والتدخل المباشر يفرض تبعات وأعباء لن يتحملها أحد.
سيتركنا إشقاؤنا وأصدقاؤنا لنغرق عشرات السنين في أتون حرب أهلية لن ينتصر فيها أحد، ويبدو أن الحوثي ومن معه لن يستوعبوا ذلك ويجنحوا للحوار إلا بمقدمات لابد منها. وهي مقدمات كسر الغرور والوهم.
اختارت قبائل البيضاء ومارب أسلوبها الخاص في كسر غرور الحوثي، وقدم المتظاهرون في صنعاء وإب والحديدة وتعز رسائل مشابهة وإن بلغة مختلفة، وحتى اللاعبون السياسيون الذين خذلوا الشارع اليمني كثيراً فإنهم هذه المرة لم يتمادوا كثيراً في توفير الغطاء السياسي للانقلاب.
إذا فهم الحوثيون تلك الرسائل جيداً فإنهم حتماً سيبحثون عن خيارات أخرى غير الانقلاب وغير الحرب الأهلية.