بحكم معياري، المبالاة غالبا هي دليل حساسية أخلاقية، أما اللامبالاة فهي دليل نقص في الشعور وغباء العاطفة مبدئيا، وأحيانا تكون نتاج غباء العقل كذلك، هذا على مستوى الفرد، ولكن حين تكون اللامبالاة ركنا من أركان الفهم والسايكولوجيا لجماعة تتحرك في الفضاء العام، فنحن نتحدث هنا عن احدى علامات الفاشية.
عندما يأتي طرف سياسي ويقول "لا أبالي"، فهو لا يبالي هنا بذات جمعية، أي بمجموعة بشرية، لا يبالي بدماء وارواح وثروات وعائلات ونسيج اجتماعي، ويعتقد الأغبياء بأن هذا دليل التضحية والفداء أو الشجاعة بالمفهوم القبلي -المفهوم القبلي ضبابي في مسائل الدم وتقدير الأرواح، فهو يثأر لدم فرد ويقيم حروبا ضروسا، ولكنه يصالح على دماء المئات، ويقبل ذبح دابة كتعويض مقنع لمقتل فرد، وهذا يفهم في وضعه في السياق المتعين لكل حالة- ولكنه في الحقيقة ليس الا دليل ما سيفعله هذا الطرف اللامبالي حين تصبح مقاليد مجتمع بأكمله بين يديه، وهنا ستظهر لا مبالاته "الفدائية" كتركز للجريمة.. لا أكثر.
القادة والجماعات التي تقدم الأرواح من اجل الأوطان يهتمون ويبالون بكل قطرة دم وكل روح وكل بيت، ولكنهم يتجاوزون الآلام ويتحملونها، أما النهابة والمجرمون، فهم لا يعرفون هذه الآلام لأنهم لا يبالون!، وهذا على العموم قاسم مشترك بين الحركات الخلاصية جميعها. وكما نرى، فإن تحليلنا أعلاه سليم وفي محله، فالحركة الحوثية التي لا تبالي، ترمي أفرادها كارقام في المعارك، وتقصف بيوت الناس بالدبابات، وفي عز الحرب تدير وتشغل السوق السوداء، كل هذا وهي لم تتمكن من المجتمع اليمني كله.
(2) "الخيارات الاستراتيجية"
لا وجود لشيء اسمه خيارات استراتيجية، لأن الإستراتيجية هي الأرضية التي تمكن طرفاً سياسيا/عسكريا من تحديد خياراته. حسم الخيارات والامكانيات وتبديلها هي عملية "بعدية" تسبقها الرؤية الاستراتيجية، مثلاً، اذا اعتقد طرف يمني بأن استراتيجية اليمن للحفاظ على مصالحها الوطنية هي معاداة مجالها الحيوي، فإن الخيارات بعد ذلك تقوم على هذه الأرضية: مهادنة هذا المجال، مراوغته، استفزازه، مواجهته... الخ، أما قصة "الخيارات الاستراتيجية" فلا وجود لها، وهي جملة صادرة عن وعي غبي وجاهل ومستخف بالناس، وهذا له تفسير مهم سنتناوله لاحقاً.
تبقى الإشارة الى أمر أخير، وهو أن حرب الاحتلال الداخلي والعدوان الخارجي قد أتمت شهرها الرابع، والتهديد والوعيد لا يأتي بعد مائة وعشرين يوما -بالأمس حدثت مجزرة مروعة ارتكبتها طائرات التحالف في المخا- خاصة حين يصدر هذا الوعيد من الطرف الذي يهذي ليل نهار بغزو "نجران وجيزان"، ولا يخجل من الكذب الوقح، كما أنه صادر عن الطرف الذي لا يفرق بين الاستراتيجية والخيارات، وطرف رث كهذا ،بالإضافة الى معرفتنا بقدراته، لا يتوقع منه المفاجآت -كانت مفاجآته حين تحالف مع قاطع الطريق ضد مجتمعه- ويمكن أن تكون خطواته "المفاجئة" عبارة عن خطوات سياسية شكلية لن يعترف بها أحد، مثل تشكيل حكومة أو مجلس رئاسي أو ما شابه، والمفاجآت العسكرية بالمناسبة تظهر في مطلع الحرب، أو بعد مرور فترة بسيطة على بدئها، حين يريد طرف مقاتل الجام الطرف الآخر وتحجيمه أو حضه على إيقاف الحرب، وليس بعد مائة وعشرين يوما، هذا الف باء (سياسة سلاح).