كان قبل كم شهر ضيفاً على "العالم هذا المساء" في تلفزيون BBC. لفت اهتمامي بطرحه العقلاني والمنحاز لبناء الدولة. والدولة أولاً، كان يرد على الناشط الحراكي - الذي قابله في ذات الحلقة - بأعصاب باردة ودبلوماسية ممتازة. بقيتُ مترقباً لظهور الكبشنة التي ستعرّف باسمه فظهرت أخيراً تحمل هذا الاسم: اللواء جعفر محمد سعد - المستشار العسكري للرئيس اليمني. حين أصدر هادي قراراً بتعيين هذا اللواء محافظاً لعدن، أظهر الأخير اهتماماً جيداً تجاه استعادة الأمن وإعادة الإعمار في المحافظة، وتناقلت المواقع والصحف تصريحه الذي يمثل مؤشراً لنضج صورة الدولة في إدراك الرجل: "مطلب الانفصال في الجنوب ستنحسر وشعب اليمن بأكمله هو من سيدافع عن الوحدة". لهذا السبب أو لغيره هاجمه قادة الحراك الجنوبي وناشطوه من اليوم الأول لتعيينه محافظاً بألفاظ نابية، وعبارات مطاطة. ليس الحراك وحده من لم يرقه تعيين اللواء جعفر سعد محافظاً للعاصمة المؤقتة، حتى صالح وحِلفه لم يرقهم ذلك، ويُرجع مراقبون انزعاج صالح من هذا التعيين إلى الدور الذي لعبه الأول في حرب 94 أثناء قيادته لجبهة صبر التابعة للجيش الجنوبي، حيث كبّد ما كان يعرف حينها بقوات الشرعية، التابعة لنظام صالح، ضربات موجعة. هكذا يبدو.. اللواء المغدور كان كفاءة عسكرية عالية، ورجل دولة متمرس. لكن ما عسى أن تفعله كفاءة فرد في نظام شرعية مترهل وهلامي، حلفاؤه كثير ورجاله قليل؟! منعت المقاومة المسلحة المحافظ الجديد من مزاولة عمله، ومنعته القاعدة من دخول مبنى المحافظة. أما قوات التحالف العربي فالمئات منهم كانوا بالجوار، لا يحركون ساكناً، ولا أحد يدري لماذا جاؤوا إن لم يكن لاستعادة شرعية هادي واستقرار اليمن كما أُعلنت أهداف التحالف. اليوم تنتهي قصة اللواء المخضرم الذي عاد إلى عدن بعد 20 عاماً ليساهم في عملية تحريرها من قوات خصمه القديم صالح، ويصبح بعد ذلك محافظاً لمدينة جمعت كل المتناقضات وكل الخصوم وكل الإخوة الأعداء!