توفي الكاتب الصحفي المصري محمود السعدني الثلاثاء بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز 82 عاما. ويعد السعدني من أبرز رواد الكتابة الساخرة في العالم العربي، وقال عنه الشاعر المصري الراحل كامل الشناوي "يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط، إنه سليط العقل والذكاء أيضا".
ووهنت ذاكرة السعدني في مرضه الأخير الذي استمر سنوات حتى كان ينسى من حوله، وحال المرض دون خروجه من بيته أو الكتابة الأسبوعية التي ظلت منتظمة في مجلة "المصور" وصحيفة "أخبار اليوم".
وللسعدني كتب منها "الظرفاء والمضحكون" الذي تناول فيه عددا من ممثلي الكوميديا، ومنها أيضا "حكايات قهوة كتكوت" و"أميركا يا ويكا" و"مصر من تاني" و"الموكوس في بلاد الفلوس" و"الولد الشقي في السجن" و"حمار من الشرق" و"بلاد تشيل وبلاد تحط".
ومن كتبه أيضا "الطريق إلى زمش"، وكلمة زمش اختصار من ثلاثة حروف للتعبير العامي المصري "زي مانت شايف" بمعنى "كما ترى".
وكان السعدني من أبرز المتذوقين للأصوات، وصدر له في الخمسينيات كتاب عنوانه "ألحان السماء" عن عدد من قارئي القرآن، ومنهم الشيخان محمد رفعت ومصطفى إسماعيل.
وكتب السعدني أعمالا إبداعية مسرحية، وكان يعلق على مقولة "المسرح أبو الفنون" قائلا إن "أدب الرحلات هو أبو الآداب".
مجرى آخر وللسعدني أيضا مجموعة قصصية واحدة عنوانها "خوخة السعدان"، وحين أصدرها في الخمسينيات من القرن الماضي توقع نقاد أن يكون منافسا قويا للكاتب المصري البارز يوسف إدريس (1927–1991)، لكن حياة السعدني وكتاباته أخذت مجرى آخر.
وتخلى السعدني في أعماله عن البلاغة التقليدية ونحت قاموسا جديدا من الألفاظ التي تجمع بين الفصحى والعامية المصرية.
وكتب مذكراته بعنوان "الولد الشقي في المنفى"، وهي تجمع بين اليوميات والمغامرات الصحفية والمآزق الشخصية.
ووصف السعدني مذكراته قائلا "رغم الظلام الذي اكتنف حياتي، ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي فإنني لست آسفا على شيء، فلقد كانت تلك الأيام حياتي".
وحصل الفقيد على درع نقابة الصحفيين عام 2009 وتسلمه نيابة عنه شقيقه الممثل صلاح السعدني.
وولد السعدني في محافظة المنوفية شمالي القاهرة إلا أنه عاش معظم حياته في منطقة الجيزة التي ارتبط بها ارتباطا كبيرا حتى جاء ذكرها في معظم كتاباته.
وعمل في بدايات حياته الصحفية في صحف صغيرة قبل انتقاله إلى صحيفة "المصري" لسان حال حزب الوفد، وعمل في دار الهلال قبل ثورة 1952. كما عمل بعد الثورة في جريدة "الجمهورية" قبل أن يتم فصله منها لاحقا بسبب ما قيل بأنها نكتة أطلقها على الرئيس السابق أنور السادات الذي كان يتولى رئاسة تحريرها آنذاك. وعمل بعد ذلك في مجلة "روز اليوسف" كما رأس تحرير مجلة "صباح الخير".
اعتقل السعدني لفترة عامين بتهم تتعلق بانتمائه إلى الحزب الشيوعي إلا أنه انضم بعد إطلاقه للاتحاد الاشتراكي، وهو التنظيم السياسي الذي أقامه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
وفي السبعينيات من القرن الماضي غادر مصر متنقلا بين عدة عواصم عربية، فتولى إدارة تحرير صحيفة "الفجر" في دولة الإمارات العربية، قبل أن يستقر لسنوات في بريطانيا حيث أصدر مجلة "23 يوليو" لمعارضة نظام الرئيس المصري السابق أنور السادات والدفاع عن الثورة التي قادها جمال عبد الناصر عام 1952. وعاد السعدني إلى مصر بعد اغتيال السادات عام 1981.