من يقرأ التصريحات الصحفية في الأيام الأخيرة يصل إلى نتيجة واحدة: الجميع في مزاج سيء. ومن تابع أخبار الأسابيع الماضية سيعرف إلى أي درجة من الانفعال والقلق وصل المزاج العام في البلد، والحلول هي الضحية في كل الأحوال، لأنه لا أحد يستطيع أن يرى الحل أو الحلول للمشكلات، وهو في وضع انفعالي قلق لا يسمح له بالتركيز، فضلاً عن البحث والتروي، والحكمة في النظر إلى الأمور.. ومن يريد الاستشهاد يقرأ ما كتبه دانييل جولمان في كتابه الشهير "الذكاء العاطفي": "عندما تظل الأمزجة في حالة جيدة، تتعزز القدرة على التفكير السلس، ويسهل الوصول إلى حلول للمشاكل، سواء كانت مشاكل فكرية أو مشاكل بين الأشخاص". أستطيع أن أذهب إلى أبعد من هذا وأقول: إن الأزمات المتلاحقة في البلد تضع السيد الرئيس في مزاج سيئ مستمر، يفضي في أغلب الأحيان إلى قرارات خاطئة، تعيد تشكيل الوضع السيئ إلى ما هو أسوأ فيزيد مزاج فخامته سوءاً، ما يعني قرارات خاطئة جديدة، "ويا عشرة جرو عشرين " وهكذا من سيئ إلى أسوأ حتى وصلنا اليوم إلى هذا الوضع المتوتر. نقول الرئيس ونستشهد به لأن كل الاتجاهات تؤدي إليه، ولأنه كما يقولون "باني نهضة اليمن السعيد ومحقق المعجزات" ما يعني أن جزءاً كبيراً من هذا البنيان- الذي تصفه التقارير الدولية بالرخو والهش- هو نتيجة سياسات شخص واحد، يعاني كأي بني آدمي خلقه الله من الضغوط النفسية ومتاعب المهنة، التي تجعل مزاجه متعكراً وقلقاً باستمرار.. وهو وضع طبيعي لرجل يعيش باستمرار على رؤوس الثعابين. ولو كان أراح واستراح وبنى مؤسسات دستورية حقيقية لا شكلية تساعده في الحكم، واستمع بدون تمييز إلى الأصوات العاقلة؛ لما وصلنا إلى ما نحن عليه. المشكلة أن الأصوات العاقلة والرشيدة، لا يسمع لها فقط، بل وتتهم بطريقة غبية بأبشع الألفاظ وأشنعها، ويصل المزاج الحاد بمجلس الوزراء إلى أن يطلع لنا بتصريح لمصدر مسؤول يتهم فيه ملتقى التشاور الوطني "بتنفيذ مخططات تآمرية مكشوفة أهدافها لجميع أبناء الوطن، بقصد الانزلاق بالوطن مجددا إلى ماضي التشرذم والتسلط البغيض".. هل يعقل هذا الكلام، وهل يستحق السياسي والدبلوماسي المخضرم ومستشار الرئيس باسندوة، وهو الرجل السبعيني الذي سالت دموعه على الملأ، أن ينعت بالخرف والبحث عن مطامع شخصية.. وأشياء أخرى تشبه "حلقات الذكر التي ينظمها دراويش الكلمة ومتعهدو حفلات الأدب ويدورون فيها حول ضريح لا يوجد فيه أحد". من ينكر ان تصرفات السلطة بمثل هذا الحبر الأسود الذي تكتب به المصادر المسؤولة في الحزب الحاكم كان واحداً من الأسباب التي أوصلت إخواننا في المحافظات الجنوبية إلى هذا المزاج السيئ، فخرجوا يعبرون عن مزاجهم الساخط بدعوات الانفصال، و"الافتكاك" من هؤلاء الشماليين الذين يأتون من الجبال غاضبين عابسين بأمزجة بدائية شرهة لا تبحث إلا عن الفيد والسطو.. يا إلهي ما أصعب الدفاع عن القيم العظيمة كالوحدة والمساواة والعدل بأمزجة متشنجة وأنانية! أتمنى وكثيرون مثلي أن نسمع أخباراً جيدة من الوطن، تنفس عن شيء من هذا الاحتقان، وتسمح لأصحاب القرار أن يسمعوا لمن يقولوا خيراً. وأن تعيد للناس قوة التفكير بفوائد الأمل والتفاؤل، ولحظات السمو التي يتفوق فيها الناس على أنفسهم، ونحتاج قبل هذا إلى أن يهدأ الرئيس قليلاُ، ويجرب النظر من زوايا مختلفة غير تلك التي تربطه لها العشيرة والأبناء والمستفيدين من بقاء الأوضاع هكذا.. وكنت أريد أن أضيف بما يساعد على تعديل مزاج الرئيس، وأنصحه بما يقوله علماء النفس لمن يعاني من سوء المزاج، بالخروج إلى الضوء والاستماع إلى الموسيقى والتنزه في الطبيعه.. غير أنني أخشى من أولئك المدافعين بشدة عن صاحب الفخامة أن يصرخوا في وجهي. "يا عيبااااااه". كنت أود أن أختم بالحديث عن التفاؤل، وهذا صعب على الأقل في الوقت الحالي، فبين يدي الآن بعض التصاريح والمقتطفات الصحفية من هنا وهناك عنوانها الأوحد المزاج السيئ، وأخشى القول إن مزاج السيد الرئيس لم يعد سيئاً وقلقاً فحسب بل وعدائياً أيضاً، ويستطيع أي مستمع لخطابه الأخير في تعز أن يتلمس ذلك، وهذا يزيد الأمر سوءاً، ويضاعف من حالة القلق والتوتر التي تمر بها البلد، وبالتالي يرفع من احتمالات إشعال القضايا الساخنة، لا سيما مع الأنباء المتواترة عن "نعوش الحراك التي تعقد الحل" والمواجهات المسلحة المتقطعة في صعدة والمشكلات الاقتصادية المتلاحقة، وارتفاع عدد العاطلين الذين يتحولون إلى وقود خام للمزاج السيئ الذي يعصف بالكل.. كلمة أخيرة: "اعذبوا الشيطان" وابحثوا عما يرتب لمزاج صافي، ثم تكلموا في المشكلات وحلولها، وساعتها "يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم".