قال الرئيس أنه سيقول خطاباً مهماً في ذكرى الوحدة. وقال الأمل فينا: حسناً. وذهب الدكتور محمد عبد الملك المتوكل يسأل ربه أن يلهم رئيس البلاد الحق ويرزقه اتباعه، وهو يحضّر لخطاب ذكرى الوحدة والتخطيط للمرحلة المقبلة. يمكنني الآن وقد استمعت إلى خطاب فخامته القول إن الله لم يستجب تماماً لدعاء أستاذي بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، على افتراض أن الحق هنا هو العمل بكل النقاط التي تضمنها مقاله المنشور في "المصدر أون لاين" قبل خطاب الرئيس بأيام.. لقد سمعت خطاب الرئيس ولدي الآن مشكلة: أنني لست قادراً على تبين الحق الذي يمكن أن يجتمع الناس عليه، وحده الله يعلم الحق الحقيقي، ووحده الرئيس يعرف الحق الذي "يخورجه"، وأنا -ومثلي القارئ ربما - لا نملك سوى الدعاء بأن يرزقنا الله جميعاً الحق، والأمل أيضاً، حتى نستطيع تجاوز الخيبات، والحديث عن هذا البلد بشكل لا يجعلنا نبدو وكأننا كرهنا كل شيء فيه. خطاب الرئيس لم يأت كما كنا نطمح، كان أشبه بخيبة أمل أخرى، لكنها صغيرة ومربكة، صغيرة لأنه لم يقض تماماً على أملنا فيه، ومربكة بسبب السؤال التالي: ماذا لو كان الرئيس صادقاً وجاداً تماماً في ما قال؟ دعوني أوضح: الإفراج عن كل سجناء التمرد الحوثي، والحراك الجنوبي، عمل إنساني وشجاع ربما، لكنه يساوي بين مجرمين يجب أن ينالوا جزاءهم، وبين من سجنوا ظلماً. ولو كان لدينا نظام قضائي عادل ما اضطررنا إلى مثل هذه التصرفات. كان يمكن ضمان المحاكمة العادلة والسريعة للجميع فينال كل فرد جزاءه، أو يحاسب من تسبب في سجنه. ثم إن هذا العفو لا يحل المشكلة الرئيسية التي سجنوا بسببها، فالقضية ليست مجرد سجناء، ولا أحد يضمن أن الأمن السياسي لن يعود بهم مرة أخرى إلى السجن في اليوم التالي لخروجهم إن بقيت المشكلات الأصلية بدون حل في المناطق الشمالية أو الجنوبية، ثم ننتظر مناسبة أخرى "يتجمل" فيها الرئيس علينا ويأمر بالعفو عنهم من جديد.. و"يا عشرة جرو عشرين"! مع ذلك يمكن اعتبارها خطوة جيدة من الرئيس إن كان جاداً في مسألة الحوار، بمعنى أنها تأتي استجابة لبعض اشتراطات المشترك للعودة إلى الحوار. وبالتالي يمكن النظر إلى الجزء الأهم في خطاب الرئيس حول دعوة اليمنيين في الداخل والخارج و"كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة وشركاؤنا في الدفاع عنها" على أنها إن صدقت، وتعاملت معها الأطراف الأخرى بذكاء، مع توافر حسن النوايا عند الجميع، ستكون مفتتح خير لما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة.. ويارب عونك. هل يبدو ما سبق منطقياً؟ نعم ولا. نعم لأن مؤشرات خطاب الرئيس تميل إلى أن يبدو منطقياً. والذي يعزز من ذلك أنه لم يعد هناك خيارات أخرى للرجل، وأقصى ما يمكن أن يعمله الرئيس أو على الأقل نتوقعه منه، هو ما ذهب إليه في خطابه. وفي الواقع فإن دعوته للحوار للجميع بدون استثاء ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية (ظني أن المشترك سيرفضها في هذا الوقت بالتحديد)، وإجراء الانتخابات في موعدها هو الحل الوحيد تقريباً ولا توجد خيارات أخرى ليخرج ونخرج معه من المشكلات العديدة التي يعيشها بلدنا جميعاً. أما لا، فلأن هذا الخطاب يشبه خطابات سابقة، ووعوداً قديمة، لا تزال ترن في آذان من يخاطبهم اليوم ويدعوهم للحوار معه، ثم لم يفِ بها، أو احتال عليها. ربما لأن الرجل لم يعد قادراً على الوفاء بما يقوله، بسبب مراكز القوى من داخل أسرته أو خارجها، التي تستطيع منعه من اتخاذ خطوات كبيرة قد يكون من شأنها الإطاحة بكل امتيازاتهم أو على الأقل تهديدها بشكل مباشر. وربما لأنه لا يزال يعتقد أنه يملك من الدهاء والحكمة ما يجعله قادراً على "لفلفة" المشكلات التي تهدده، وإزالتها من الطريق التي يخطط لابنه المشي عليها. وبالتالي فإن هذه الخطب كما المال السياسي الذي نجح في أحيان كثيرة في شراء الولاءات له، ليست سوى أساليب متنوعة وقديمة تعوّد عليها الرجل ضمن مفهوم "اللفلفة" ذاك. لكنها باعتقادي لم تعد مجدية اليوم البته. أرجو أن لا يسألني القارئ رأيي، فأنا في العادة لا أستطيع التنبؤ بما يضمره الرئيس أو يخطط له، ولا أستطيع معرفة ما في قلبه، المعارضة يمكن توقع ردها، والأيام المقبلة ستكشف لنا ردود الفعل والترتيبات التي ستبنى عليها، وبالتالي معرفة إلى أين يمكن أن يأخذنا هؤلاء الساسة. الجملة الأخيرة تعني أنني لم أستطيع وضع القارئ على كشف جديد في خطاب الرئيس، لأنه على مستوى الفعل السياسي لم يتحرك سوى خطوة واحدة، قد تكون ضرورية ومهمة، لكنها بالتأكيد ستكون بلا معنى إن لم يتبعها خطوات، في طريق يجب أن يسير فيه الجميع. قلت لكم، خيبة أمل صغيرة ومربكة. لا أريد أن اقول أكثر من هذا. لا أستطيع التوقف عن الحلم والأمل. والرجاء أن يكون الرئيس جاداً، ويساعدنا على أن ننظر إليه كرئيس نفتخر به، ويساعدنا البقية في صعدة وصنعاء والجنوب وشبوة ومأرب وكل المحافظات النظر إليهم باعتزاز. سئمنا الحديث عن المشكلات، عن الرئيس والحكومة واللوزي والبركاني والرعوي وبقية الساسة الذين يدفعوننا غصباً إلى التشاؤم والملل والإحباط والضيق أيضاً. هل بقي ما أضيف؟ نعم: يستحق الرئيس الشكر لإفراجه عن الزملاء الصحفيين، ويستحق العتب لأن النظام الذي يديره هو من زج بهم إلى السجن. غير أن القصة كلها ليست في الخطاب وقرار العفو، القصة الرئيسية هي التي تستطيع الإجابة عن السؤال التالي: متى يستجيب الله لدعاء المتوكل؟ ليس بالنسبة للرئيس فحسب، ولكن لصناع القرار في بقية الأطراف.