يقول المثل "إذا كنت رايح كثر الفضايح " وهذا ينطبق تماما على المساعي غير الحميدة لوزير الخارجية الأمريكي الذي سيترك منصبه قريبا إذ أعلن جون كيري من الإمارات العربية المتحدة أن الحوثيين والتحالف العربي العسكري الذي تقوده السعودية اتفقوا على وقف الأعمال القتالية في السابع عشر من هذا الشهر على أساس بنود 10 أبريل الماضي التي بموجبها أعلنت الهدنة تلو الأخرى دون جدوى. الغريب في الأمر أن الإدارة الأمريكية الخائبة تريد أن تحقق انتصارا وهميا قبل خروجها غير المأسوف عليه من البيت الأبيض لتحل محلها إدارة جديدة بقيادة الرئيس ترامب ، لكن لم نكن نتوقع مثل هذا السلوك السياسي والدبلوماسي السيء من أوباما ووزير خارجيته خاصة في ملف الأزمة اليمنية ، إذ كيف يعقل أن يعلن وزير خارجية دولة عظمى عن اتفاق سياسي بينما لم يقم حتى بمجرد التواصل مع حكومة شرعية تعترف بها كل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة ومن ضمنها بلده ، لنفاجأ بتعليق لوزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي بأن ماصرح به كيري لا يعني الحكومة الشرعية وليست طرفا فيه ، أما الأنكى والأشد إيلاما وإثخانا للجرح اليمني أن تسعى دولة عربية خليجية وجارة لصيقة باليمن إلى تسويق الحوثيين ورغبتهم الجادة في السلام وفي المقابل يتم تهريب السلاح عبر أراضيها للحوثيين لإطالة أمد الحرب.
يبدو أن أطرافا عربية تريد خلط الأوراق داخل اليمن وفي أوساط اللاعبين الإقليميين في الملف اليمني ، وذلك نسمع تاكيدات من أروقة بعض الدول بأن وقف الأعمال القتالية في 17 نوفمبر سيتبعه مشاورات على أساس خارطة طريق ولد الشيخ والتي تسعى إلى الإطاحة بالرئيس هادي وتعيين نائب له باتفاق كل الأطراف المتصارعة، وهي في الحقيقة خارطة تؤدي باليمنيين إلى جهنم الحمراء ولن تحقق السلام المنشود .
كثير من المراقبين للشأن اليمني يرون أن الحوثيين والرئيس المخلوع يسعون إلى السيطرة على الدولة اليمنية وفق ترتيبات تتم مع أطراف خارجية وفق سيناريوهات وخطوات استراتيجية تتمثل في الآتي :
1- يركز الحوثيون وحليفهم بشكل مكثف عند لقاء أطراف خارجية بأنهم الوحيدون الذين لديهم رغبة في السلام وأنهم مستعدون لتتفيذه بينما للواقع خطط أخرى.
2- تقوم الأطراف الدولية التي ترتبط بمصالح اقتصادية مع الرئيس المخلوع وبقرابات إيديولوجية مع الحوثيين بإقناع الدول الثماني عشر الراعية للمبادرة الخليجية بأن الحوثيين والرئيس المخلوع هما الطرفان الأقدر على محاربة الإرهاب وهما الطرفان الأكثر ليبرالية واعتدالا دينيا ويمكنهما الوقوف حجر عثرة في وجه الدواعش الذين هم قوات الحكومة الشرعية حسب تقارير الحوثيين للمخابرات الأمريكية والمنظمات الدولية .
3- عند التوصل لاتفاق سلام ستشكل حكومة وحدة وطنية وتباشر عملها من صنعاء وحينها ستبدأ مرحلة جديدة بعد فترة قد تمتد لسنة من ممارسة حكومة الوحدة لمهامها حيث يتم الاطاحة بكل الاتفاقات بدعوى أن القسمة كانت ضيزا .
4- معلوم أن الحوثيين كثفوا وجودهم في كل مؤسسات الدولة وخصوصا الأمنية والعسكرية ولذلك لن يستطيع أي مسؤول من الذين كانوا ضد الانقلاب الحوثي القيام بأي دور ولن ينفذ أي أمر يصدره في فترة اتفاق السلام تماما كما حدث مع كل المسؤولين الجنوبيين الذين كانوا على رأس وزارات ومؤسسات في صنعاء بعد قيام الوحدة اليمنية .
5- بعد تنفيذ اتفاق السلام ستعمل إيران على تكثيف نشاطها في اليمن بعد أن أصبحت كل القنوات مفتوحة الأمر الذي سيعزز من سطوة الحوثيين كجماعة إيدولوجية تمارس نشاطها رسميها أو كقوة سياسية رئيسية حصلت على نصيب مهم من كعكعة حكومة الوحدة الوطنية.
6- يعود الحكم كاملا للحوثيين بعد تنفيذ استراتيجيات التخلص من بقية الأطراف المشاركة في إدارة البلاد.. حيث يتم التخلص من الرئيس المخلوع وتفكيك حزب المؤتمر الشعبي العام المتخلخل أصلا ، أما الأطراف التي كانت مؤيدة للرئيس هادي وتقاوم الحوثيين فسيتم إذكاء الصراعات فيما بينها وإقتاعها بأن فترة تنفيذ اتفاق السلام تمثل غمطا لجهودها وتضحياتها كون جزء الكعكعة المخصص للأطراف الرافضة للانقلاب لم يكن كافيا لإرضاء كل فصائلها وتياراتها ولذلك فإنها ستتجه للتناحر وربما مواجهة بعضها بقوة السلاح خصوصا السلفيين والإخوان المسلمين الأمر الذي يسهل من مهمة الحوثيين ويدعم مبرراتهم في الاستئثار بالحكم لمواجهة فوضى الدواعش من جديد.
سلام كيري إذا ما تم الرضوخ له سيصنع فصولا جديدة من المجهول وسيكون الخاسر الأكبر القوى المؤيدة لشرعية الرئيس هادي والأطراف الإقليمية الداعمة لشرعيته وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لذلك فقبل أن تتحقق مخططات الحوثيين والرئيس المخلوع يجب التفكير بطرق أخلاقية وسياسية وربما عسكرية أكثر جدية لإحلال السلام في بلد ربما سيكون بوابة لإعادة تقسيم الجزيرة العربية ودول الخليج وشرذمة سكانها. * نقلاً عن جريدة الشرق القطرية