هل كان ينبغي أن أعرف علاو شخصيا كي أكتب عنه ؟ هل كان لازما أن أكون زميل دراسته في الإعدادية كي أكتب عنه ؟ لا شأن لي هنا بتاريخه الشخصي وسيرته الذاتية . أن أكتب عن علاو الآن معناه ، عندي على الأقل ،أن أكتب عن روح المذيع المتألقة والتي كانت تخرج من الشاشة وتستقر في قلبي بدون استئذان .لهذه الأسباب أكتب عنه. *** ما أن سمعت زوجة صديقي إبراهيم خبر وفاة يحيى علاو حتى دخلت في نوبة بكاء لاتتوقف عنها حتى تعود إليها مجددا . إمرأة عجوز تساءلت بعد أن وصلها الخبر : من سيكون معنا في رمضان القادم ونيسا ؟
الناس التي خرجت مفجوعة وغطت مساحة ميدان السبعين لوداع علاو على الرغم من عدم كونه شيخا أو قائدا في الجيش .
الصور التي وجدت مكانها بسهولة وتلقائية على واجهات وسائل النقل صباح اليوم التالي للوفاة . مايقول كل هذا ؟
*** هو يقول بما كانه من إنسان كبير وروح كانت تخرج من الشاشة لتعلق بقلوب الناس وتسكن ذاكرتهم . العفوية التي خرج بها هؤلاء الناس وقت الصلاة والجنازة وغطت ساحة لا يستطيع ملأها سوى قيادات الحزب الحاكم وبأوامر مسبقة لها أن تحرم الممتنعين من قسط أو قسطين من الراتب . في حين قام يحيى علاو بفعل ذلك برحيله . كما كان يجمعهم في حياته كل في منزله متسمرين قبالة أجهزة التلفزيون متابعين برنامجه الأشهر ( فرسان الميدان ) .
*** وبالنظر إلى جملة أسباب جعلت من الراحل الكبير علاو حالة جماهيرية قل مثيلها في الحالة الإعلامية اليمنية ، لانجد أن لكاريزما الشكل الخارجي مكانا رئيسا منها . بل هي أكبر من مجرد مظهر خارجي . ( هناك عدد كبير من المذيعين المحليين من أصحاب السحنات اللامعة ، لكنك ما أن تنظر لوجههم على الشاشة حتى تذهب قافزا لتغيير القناة ) . أعتقد أن حالة الكاريزما التي امتلكها علاو تمثلت في حالة توافق روحي بينه وبين مشاهد بسيط ، من طبقة اجتماعية محددة ، وجد في يحيى علاو خلاصة الشخص \ النجم الذي ينطق باسمه ويتكلم بلسانه .كان المشاهد البسيط في انتظاره لموعد بث البرنامج وظهور يحيى علاو تاليا إنما كان ينتظر لذاته ، أو على الأقل للناطق الشعبي باسمه وبحاله .
*** وهناك مسألة أخرى توقفنا فيها ( أسرة تحرير " الثوري " ) ونحن بصدد النقاش حول الكلام الذي كان يقال حول المنطقة التي جاء منها الراحل علاو ، أو محل ميلاده ونشأته . فقد كان كل الكلام منقسم على حاله ، فهناك من كان يقول أن علاو من زبيد نظرا لسحنته السمراء . وهناك من كان يقول أن علاو من تعز , وهناك من كان يقول أن علاو جاء إلى صنعاء من إحدى المحافظات الجنوبية بعد وحدة أربعة وتسعين .
ونلاحظ هنا إلى أي حد كان الراحل علاو كثيرا وموزعا على البلاد كلها ولم يكن محصورا بمنطقة محددة بعينها ، ولم يكن لهذا أن يتحقق بدون الموهبة العالية التي كان يمتلكها هو وتجعله قادرا على التماهي مع أهل المنطقة التي كان يذهب إليها معطيا ناسها شعورا أكيدا أنه منهم ويتكلم بحالهم .
*** ولا ننسى هنا ، إضافة لكل المقومات التي امتلكها الراحل علاو وجعلت منه نجما إعلاميا فريدا . هناك طبيعة العمل نفسه . البرنامج المسابقاتي المانح لجوائز مالية . برنامج غير مغلق في صالة مُكيفة وتهتم بفئة واحدة معينة من الناس ينتمون لطبقة بذاتها قادرة على أخذ العائلة وشراء تذكرة والدخول الى القاعة .
برنامج يحيى علاو لم يكن من هذا النوع المرفه من البرامج الأنيقة خارجيا . فلم يكن لبرنامجه تذاكر ولم يكن مشترطا النزول إلى العاصمة للمشاركة في مسابقات معلوم هو الفائز بها بشكل مسبق . كان البرنامج وصاحبه من يذهب إليهم . كان عبارة عن ( بابا نويل ) على هيئته اليمنية ،يحمل على ظهره كيسا ويقوم بتوزيع مافيه على فقراء الناس .
من القصص التي سمعتها بعد وفاة الجميل يحيى علاو ، حكاية ذلك الفقير التهامي الذي فاز ذات مرة بمبلغ عشرين ألف ريال من برنامج فرسان الميدان ، أيام ما كان للعشرين ألف قيمتها وقوتها . قال أنه استطاع تأمين قوت بيته لمدة شهر من دقيق وسكر وأرز وسمن . بعد انتهى مبلغ الجائزة لم يقو على رمي الظرف الذي كان يحوي مبلغ العشرين ألف ريال .عندما كانت تضيق به الدنيا كان يذهب لتقبيل ذلك الظرف الموجود في مكان أمين داعيا ليحيى علاو بطول العمر والصحة .
*** وهناك الكثير من القصص والحكايات التي ستأخذ وقتها كي تخرج للناس ، إما كتابة أو مناقلة شفاهية . فما فعله الراحل يحيى علاو ، وخصوصا في بلد فقير كاليمن ، لايكون من السهل عبوره أو القفز عليه .
سينتظر فقراء كثر على طول البلاد وعرضها يحيى علاو زائرا إياهم وحاملا كيس ( بابا نويل ) وعلى موعده الرمضاني الذي اعتادوا عليه . لكنه لن يأتي إليهم هذا العام . لن يأتي إليهم أبدا .
*** أمي زمزم مسافرة خارج اليمن ولم تعرف بعد بخبر وفاة مذيعها المفضل يحيى علاو . لن أخبرها . يُتعب قلبَها البكاء.