في المركز الامتحاني القريب منا، كانت أجوبة الفترة الثانية في أيدي الطلاب قبل توزيع ورق الأسئلة. هذا ليس تطورَا، فعبدالملك الحوثي أضعف من أن يقوم بنهضة تعليمية على نحو يجعل الطلاب يستخدمون الحدس في فضح الأسئلة المختومة بالشمع الأحمر. الغش مشروع المليشيا.
كُتِب على حائط في كيتو: حين امتلكنا جميع الأجوبة، غيروا الأسئلة. حسب غاليانو. لكن ذلك في كيتو، وليس في صعدة حتى تغير الأسئلة. من حق الحوثي أن يقول بأن هذا علاج ناجع للقلق الذي يصيب الطلاب من اختبارات مرحلتي الاعدادية والثانوية، إذ مايزال هناك طلاب وطالبات يجتهدون في المذاكرة ويذرعون الأماكن والكتب بأيديهم، هم قلة من المجتهدين، سيضيع جهدهم في زحمة الغش. مجرد الذهاب إلى المدرسة هذه الأيام، وطلاب المرحلة يمتحنون، يشي بكثير من التطور، الغش من على شاشات الأجهزة الذكية والآي بادات، شخصيًا عشت تجربة لم تكن متطورة في الصف الثالث الثانوي، كنت قد كتبتها من قبل: ارتديت الكوت الجديد لأتمخطر أمام الطالبات، وأخذت تلفون أبي، تلفون الناطق، وهو جهاز تضغط طويلًا على رمز النجمة لينطق بالوقت، كان أعجوبة. أنا ذاهب لاختبارات المرحلة الثانوية وكأني سأدخل مبنى السوربون وليس مدرسة داحش في المدينة أدنى جبل وعش. في المدرسة كنت الأذكى ولم أكن بحاجة إلى غش، ولكني كنت في مرحلة مفصلية من عمري: الكوت الجديد وتلفون الناطق. ويرافقني خالي من القرية. في امتحان مادة الجغرافيا، كنت أعرف معظم الإجابات، من باب التدلل أمام الطالبات الأربع في القاعة، أخرجت الهاتف، خالي كان في الأسفل وقد حصل على نموذج من الإجابة الكاملة. دخل رئيس اللجنة، كان حازماً ويبدو أنه سلفي سابق، ارتبكت، خبأت الهاتف داخل الكوت الجديد بسرعة، لم أنه المكالمة، حاولت إغلاق الهاتف بالضغط على أزراره من فوق جيب الكوت، وبدلًا من ذلك؛ ضغطت على زر السماعة الخارجية، كان خالي يبحث عني: "ألوه.. ألووووه، وين اجيك يا حمار، إجابة السؤال الرابع، اكتب...". كانت اللجنة كلها تسمع. رئيس اللجنة والمراقبين، الطالبات ورجال الأمن، الجميع يلتفت نحوي وأنا أتضرج من الخجل.
صودر الهاتف والدفتر وورقة الأسئلة، وبكيت حينها، بكيت أمام الطالبات وأنا أرتدي الكوت الجديد. شفعت لي شهادات الطلاب وابناء المدير بأني الطالب الأكثر اجتهادًا في المدرسة، وكان يدور في خلدي: وفصلت الكوت قبل أربعة أشهر من الاختبارات، فصلته خصيصًا لهذا اليوم. اليوم نحن في زمن الشاشات اللمس، لا أزرار النوكيا الفاضحة. اليوم المدرسة التي اختبرت فيها، حولتها المليشيا إلى ثكنة للمسلحين. اليوم المليشيا تقتل الطلاب والطالبات ومع ذلك تمنحهم المعدلات العالية. اليوم، بعض طلاب الثانوية لا يعرفون المادة التي سيختبرونها، يمشون بلا أكوات، وسيحصلون على معدلات تتجاوز التسعين. اليوم أخبرني أحد الطلاب المجتهدين أن مراقب القاعة وهو أستاذ دخل عليهم بصرامة وهدد: حرام وطلاق ما يدخل برشام ولا يفتح جهاز، إلا لما يجي المدير يدي حق القات، شل عليكم من خمسة ألف حق أرقام الجلوس وعطفها للجيب! شخصيًا، رفضت الذهاب إلى المدرسة، على الأقل طمعًا بتغيير داخل نفسي، مع إن إخوتي يؤدون الاختبارات. وأعترف، بأن السنة قبل الماضية، أفشلتني اللجان الامتحانية في الغش، لقد ذهبت مكرهًا لأنتحل شخصًا غيري. الطالب الذي ذهبت للاختبار بدلًا منه، كان أسيرًا لدى الحوثيين، اسودّت حدقات أمه حزنًا عليه، لن أكسر خاطراً يلجأ إلي ولو بطريقة خاطئة، ذهبت لأختبر بدلًا منه، في اليوم التالي اكتشفوني، اكتشفني قيادي مؤتمري لئيم يعرف الطالب، القيادي المسلح أرهب اللجنة وخرجت من القاعة بالفعل، لم يكن فعل المؤتمري ذاك لأجل محاربة الغش، فهو من حزب فاسد، وهو الشخص نفسه الذي أدخل ثلاثة طلاب بدلًا من آخرين. قال رئيس اللجنة بعدها، وبصريح العبارة، بأنه يريد خمسة آلاف ريال عن كل مادة، ومستعد أن يمنح الطالب الذي انتحلته مقعدًا ضمن أوائل الجمهورية، إيه والله. هرشت رأسي هرشًا وقتها وأنا أتخيل لو عرف العالم بأن طالبًا من أوائل الجمهورية نال هذه المرتبة وهو مغيب في معتقل سري في ذمار ولم يدخل الاختبار أصلًا. غيرت مركز امتحاني آخر، وفشلت أيضًا، وانتهى انتحال الأسير الذي أردته كي يطمئن فؤاد أمه بقليل من الحضور. تريدون معرفة معدل نجاحي..79% وكانت أعلى درجة في مواد العلوم الانسانية: فلسفة، علم نفس، منطق: 89 حين رأى أبي النتيجة التفت نحوي: "بن ايروس.. ارسطو".. طلاب الزمن الحوثي يريدون كلية الطب. * مقال خاص بالمصدر أونلاين