مضطر أن أجاريك يامحمد المياحي و أقف معك قليلا بعيدا عن السياسة وقريبا من الطين والنار ، و أنت تكتب عن الجن بأسلوب الباحث عن وطن جديد و أهل من نوع مختلف فهؤلاء أصحابي أيضا، ولنا صلة قرابة معهم من أيام الهدهد والملك سليمان، ومازالت آثارهم عندنا في حصن الجن بجبل الراهش وهيجة تماج وضاحة الركب . الشاعر والاديب يملك روحا شفافه تميل بعيدا عن الطين، الطين ثقيل وموحش وتحته يكون الغباء وتنبت الكراهية والتوحش ولهذا لاتجد جنيا متوحشا؛ لأنهم ليسو من الطين، هم مخلوقات شفافه لاتميل إلى الحرب ولا حركات العنف ولاصله لها بالغدر، هي تتحرك دغري وبحذر شديد وبقانون دقيق، و أكثر ماتخافه الجن هو الإنسان ...الإنسان مخلوق مخيف ومرعب، وهو من أشرس السباع على الارض، الرحمه لديهم صعب ولا تجدها إلا عند مقام الفائزين منهم وهم النادر. أعني أن من يبحث عن (جن ) على طريقة الشعراء هو مخلوق فلسفي ذو نزعة روحية غيبية، تنزع نحو الغيبيات الخالدة التي تجد لها أصلا في روح الإنسان منذ أن طلع آدم من دار الروح والخلود، ومانراه من ميل الى التوحش عند الإنسان إنما جاء نتيجة الشعور بالغربة ، بل والاحتباس في مكان ضيق يسمى الارض وهي أصغر من الانسان ومن طموحه؛ لذا لايكفيه شيئ، طمعه يتجاوز مساحة الكوكب الأرضي والمجموعة الشمسية ولاشيئ يسكت طمعه ويرعبه وينهي توحشه سوى التراب ، لديه خصومة مع الطين والزمن، الطين يصيب الإنسان بالغلظة والتوحش وسرعة الزمن يصيبه بغربة موحشة ، وشعور التلاشي والفناء لأنهما أي الطين والزمن يحجبان عنه الرؤية؛ ولهذا يتلبس الإنسان فضول للاطلاع على الجن ظنا منه أنه سينفذ من خلالهم الى شيء من اليقين والمعرفة التي تتنازعه بفعل خاصية الروح والخلود، و لأنهم باحساسه الأقرب الى العالم الآخر ، أقرب من الملائكة مثلا ، على الأقل يشعر أنهم بمستواه أو دونه ؛ ولهذا يتوقف الكثير عند عالم الجن ، ففي كل الأمم والعقائد قصص ومحاولات خرافيه مع الجن تستوي الشعوب المتقدمة و المتخلفة الآن محمد المياحي يريد أن يعانق الجن من أجل الهروب من فحيح الإنسان ومن اجل كتابة الشعر وكأنه كاهن يدق أبواب الجبال لفتح الضياح المسكونة بالصمت والظل والجن، يقترب منهم ويصافحهم ويتزوج، لم يعد يخافهم، فهو شاعر ولديه أجنحة كأجنحة العفاريت الطائرة فالشعر ليس رص كلمات، وإنما مايقوله وهذا النوع من الشعر تشارك في كتابته الجن بلسان الشاعر !
الجن أقرب إليك مما تتصور، و أنت عندما تجاهر برغباتك هذه إنما تكشف على أن هناك جني متمرس وشفاف داخلك ويستأنس بك، بل ربما دعى أهله و أقربائه وقبيلته في السكن معك وفيك، لمعرفته أن نسبة الطين لدى الشعراء قليلة، فالجن يخافون من الطين لأنهم مخلوقات نارية يخنقهم الطين ويفزعون من الترابيين، أعني أنهم ربما يسكنون على ضفافك، بالتحديد في جسدك المترامي الاطراف، بالنسبة للجن فجسدك واسع، واسع يشبه مساحة الربع الخالي أو قارة لحالها فالجن مخلوقات ليست طينية ومتناهية الصغر ولامعنى عندها للأحجام والكتل والمساحات ، ممكن تسكن داخل مساماتك آلاف الجن مدينة كبيرة تتحرك داخلك ويعيشون حياتهم الخاصة الفسيح كوطن
لكنهم لايسكنون إلا بقانون فهم لايسلبون ولاينهبون ولايحتلون جسدا إلا بقانون وعرف معلوم، انت ربما الآن وطن للجن دون أن تعرف، المعرفه هذه هي علم الغموض فهناك أشياء نعرفها وتبعد عنا الاف الكيلوا مترات بينما لاتعرف عن أشياء ومخلوقات داخلك وفيك.
أتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر
هذا البيت الشعري قالها جني حكيم على لسان شاعر خفيف الطين .
كثير من الإبداعات الشعرية التي نقف عندها مبهوريين هي من قول الجن عندما يسكنون وطنا بشريا يجدون فيه مواصفات الوطن، ألم تسمع قول حسان بن ثابت :
ولي صاحب من بني الشيصبان فطورا أقول و طورا هوه
ربما لم أكتب البيت كماهي لا أدري لكنها مسؤولية الجن
انا اكتب هنا ردا على منشورك العجيب عن الجن، وكل منشوراتك عجيبه يامحمد لأنني أجد كثيرا من كتابتك التي يعدها البعض جنونا تتحدث عني أنا الذي تربيت مع أمي في بيت وحيدة، على سفح جبل تحيطه مزارع أبي والرباح والضباع و الأرانب وطير العقاب و قصور الجن الشاهقة المسمى ( الضياح)، التي يهتز فيها الصمت وينشد فيها الريح القادم من وراء الشمس أغنية الخلود،
ويهمس لي عند السحر وتساقط المطر عن حكايتي الأزلية، وعن تاريخي مع الغمام المحملة بالغيث وعن علاقتي الحميمه بالنجوم والكواكب السيارة ، بل ويحدثني باسهاب عن شبابتي التي غابت عني عند الطفولة وصعدت على بساط الغمامة بمساعدة الريح نفسه حيث استقرت تحت العرش تردد الحاني الحزينة، انت لاتعلم أن بعض الحان شبابتي يرددها الريح عندما يهب ليلا في الصيف، في وقت تتهيأ فيه أسراب الطيور إلى الهجرة، وعند بداية فصل الخريف حيث تتساقط الأزهار و أوراق الأشجار الدامعه ، حينها ألتقي مع الريح في حوار علوي خاطف، وهو مايشدني بعيدا ويحررني ولو للحظات من ثقل التراب ولزوجة الطين ووحشة الإنسان.
لا أدري هل لدي جني قريب لصاحبك، لكن ما أعلمه أننا جميعا في البحث عن الذات ومحاولة مستمرة في التحرر من قفص الطين، هذا الطين اثقلنا كثيرا ويكاد ينهي فينا نفخة النور، أنظر الى الإنسان كم هو متوحش ومجنون بصورة جماعية يقتل ذاته بشكل قاسي وغير مبرر ، إنه مصاب بالشر أصبح مخلوق شرير يعوي شرا تجاوز مقام السبعية، فالسباع لاتقتل إلا لتشبع، بينما الإنسان يقتل من أجل القتل، ويقتل ليدمر نفسه وكل من حوله، هل هذا مس جنون بفعل الشيطان الرجيم أم ضربة توحش بفعل الحالة الطينية التي يعيشها كسجين تواق للتحرر ، فيضرب نفسه من شدة الضيق وغياب اليقين وضياع البصيرة ، مثل ضربات الموت ... ضرب عشواء
نسيت ياصاحبي أن أخبرك أنك تعني بالشيطان اللطيف جني لطيف ، يوجد جني لطيف ولايوجد شيطان لطيف؛ لأن هذه السلاله اللعينة انسلخت من اللطافة عندما ارتبطت بالإنسان واقتربت من كثافة التراب ولزوجة الطين اللازب ......ونقلت الى الإنسان جرثومة العنصرية المدمرة باسم الدين تارة وباسم التراب تارة اخرى! نسيت أن أقول لك ايضا هذا المقال (الجني) يخصك والجن اللطفاء اصحابك لكن إياك أن تتخلص منه يوما بتمزيقه فسيجلب عليك الشياطين واحذر أن ترميه في التنور لإحراقه فسيخرج لك عظروط يلتهمك ، لكن إذا أردت التخلص منه، فاطرحه بين التراب يتحلل وتأكله الأرضة .
أما أنا فسأظل أتعوذ بالله من شر الشيطان و الإنسان الرجيم ماحييت !