• أنت نسيجٌ وحدك، ولكل إنسان منا شخصيته وقناعاته وبصمته المستقلة والخاصة (الجسدية والنفسية)، والأتباع لا يضعون مستقبلاً وهم أعجز عن بناء حاضر؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وربما أيضاً كلمة "أتباع" في اللغة العربية تستخدم جمعاً لكلمة "تبْع"! وكما في اللغة هي في الواقع أحياناً. تُرى كيف ينظر المرافقون "لفلان" وأفراد موكب "علان" لذواتهم؟ هل يُشبعُ حملهم السلاح حاجتهم للشعور بالعزة والفرادة، وهم مجرد"أتباع"، وقد أبطل عمر بن الخطاب هذه العادة عندما رأى مرافقين لأُبيّ بن كعب وقال: "إنها ذلة للتابع .. فتنة للمتبوع". • وفي حين حررّ موسى عليه السلام قومه من استعباد فرعون.. بقيت القابلية للاستعباد في نفوسهم، فاستعبدهم من هو أقل شأناً من فرعون.. ثم كان التيهان في الأرض. الزعيم الأوحد هو صانع الحياة، والشعوب مجرد تفاصيل. الإمام الأعظم والشيخ قدّس الله سرَّه.. هو الأبُ الروحي والمتن والنص، أما الأتباع فمجرد هوامش وحواش وعلامات ترقيم!. "والله لو قال لي الشيخ: استقيم.. باستقيم"!! سمعتها من أحد المواطنين مُقدساً أوامر شيخه ربما أكثر من أوامر خالقه، وتذكرت: "يو يقوم الناس لرب العالمين". • هذا هو نتاج ثقافة الغلبة والقابلية للاستعباد _المتجذرة في النفوس_ والفهم الخاطئ لنصوص مثل: "وإن لطم وجهك وجلد ظهرك وسلب مالك"، والقاعدة أنه حيثما وجد الاستعداد لقبول الظلم.. سيوجد الظالم، وحيثما وجدت الشعوب ذات القابلية للاستعمار.. سيوجد المُستعمِر، وحيثما وجد المال بيد من ليس لديه الاستعداد لحسن الدفاع عنه.. سيوجد من ينهبه بطريقة أو بأخرى، وحيثما وجد "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك".. سيوجد "فسوَّلت له نفسه قتل أخيه فقتله". وأعجبني المفكر العربي الذي قال مستهجناً لفكرة الاغتيال: "نحن نرفض الاغتيالات؛ لأن الاغتيال لا يعبر عن شجاعة فرد وجبن أمة". • ولعله لا توجد شعوب تقدس زعماءها السياسيين والدينيين حد التأليه وتلغي ذاتها حد المهانة والاحتقار مثل شعوب المنطقة العربية والإسلامية، فحيثما سرت في شارع أو انعطفت في زُقاق أو دخلت مصلحة حكومية أو أهلية.. وجدت صورة القائد المُلهم.. حتى أن أحد الشعراء مدح زعيماً بقوله: تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال والزعيم وجميع الحاضرين يبتسمون كأنه مدح طبيعي، والحادثة يذكرها الإعلامي أحمد منصور في كتاب له عن العراق. • حين تبدأ بالاستهانة بنفسك والتخلي عن الإيمان بفرادتك.. تصبح واحداً في مجموع "قطيع" ينساق لراعيه ولا يخالفه، يسبحه ويمجده ليل نهار، ويتحول أداؤك الاجتماعي وانتماؤك السياسي لجماعة أو حزب أو حتى شخص من مجرد تنظيم وعاطفة حب وولاء إلى تماهٍ وتقديس من ناحية، ووأدٍ وتغييب لإنسانيتك من ناحية أخرى؛ وبالتالي هو أكبر من أن يُنقد، وأنت أصغر وأحقر من أن تنتقد أو حتى تفكر بالانتقاد... وهكذا تغيب فاعلية "الأتباع"، وتُختزلُ الأمة في فرد أو حزب.. فتضيع ويضيع.