سيكون من الصعوبة بمكان إيجاد الوصف الملائم للشعور الذي قد ينتاب المواطن اليهودي الكهل يعيش بن يوسف، لحظة سماعه الحكم بإعدام قاتل نجله ماشا المحبب إلى قلبه، الذي تلاه قاضي استئناف عمران الأحد الفائت. الراجح أن انفعاله بالحكم سيكون مزدوجاً، فحصوله على العدالة أمر يثلج الصدر، وسيخلق لديه شعوراً بالغبطة والرضا، مع إدراكه المسبق أن احتمال تنفيذه ضئيل للغاية. لكن فيما يراود الجميع الشك بأن يضع الحكم حداً لعذاب الرجل ولإحساسه الدائم بالتهديد وانعدام الأمن، فالمؤكد هو أن قرار المحكمة سيضاعف من شعور جميع أفراد الطائفة اليهودية بالخطر بدلاً من تقليصه، وذلك بالنظر إلى ردة الفعل العنيفة لذوي الجاني بعد سماعهم الحكم، وطبيعة البيئة غير السوية التي يتحرك فيها الخصوم. وبالتالي حتماً ستجد فرحة يعيش بالعدالة ما ينغصها. وفي كل الأحول سيجد ذلك العجوز الحزين نفسه عرضة لانتقام لا سبيل لمقاومته. وكانت الشعبة الجزائية بمحكمة استئناف عمران حكمت بالإعدام رمياً بالرصاص على المتهم عبد العزيز العبدي الذي أدين بقتل المواطن اليمني اليهودي ماشا النهاري، في 11ديسمبر عام 2008 بمنطقة ريدة، وإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بدفع دية خمسة ملايين وخمسمائة ألف ريال لأولياء الدم. وفي الجلسة التي عقدت برئاسة القاضي أحمد البعداني، وعضوية القاضيين محمد لطف الجندري، وعبد الملك شرف الدين، وبحضور أولياء الدم والمحامين، وأولياء الجاني، قضت المحكمة بإلغاء الحكم الابتدائي الذي كان عمد إلى تخفيف الحكم على المتهم عبد العزيز العبدي بذريعة اختلال عقله، وعدم مسئوليته الجنائية بمقتل اليهودي ماشا. لكن المدان لم يأبه للأمر. ففور انتهاء القاضي من تلاوة الحكم، طالب الرجل بنسخة من الحكم وقال متحدياً: "إن هذا الحكم يشرفني". من جانبها طوقت مجاميع قبلية مسلحة مبنى المحكمة عقب تلاوة الحكم، وتلقى أولياء الدم والمحامين تهديدات بالقتل من قبل أقارب الجاني، وفقاً للمحامي خالد الآنسي. وأفاد الآنسي أنه تلقى تهديدات من قبل مدير أمن المحافظة عبدالله دبوان والاعتداء عليه وشتمه. وطالب الآنسي في تصريح ل"نيوزيمن": زير الداخلية والنائب العام التحقيق في قضية الاعتداء عليه وسبه أمام نائب مدير الأمن وعدد من المواطنين. ورافقت أولياء الدم أطقم أمنية إلى منزلهم في ريدة، كما رافق قاضي الشعبة الجزائية طقم تابع لأمن المحافظة إلى منطقة الأزرقين، طبقا ل"نيوز يمن". هذا وقد حظي الحكم بترحيب ناشطي حقوق الإنسان والمنظمات المحلية. وقال المحامي خالد الآنسي المدير التنفيذي بمنظمة "هود" إن الحكم بإعدام قاتل ماشا النهاري، مثل انتصاراً لقيم الإسلام التي تكرس وتدعو إلى المساواة والعدالة للبشرية جمعاء، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وجنسياتهم. واعتبر الآنسي الحكم بمثابة تصحيح لإجراء وحكم جائر صدر عن المحكمة الابتدائية بعمران سابقا، مشيراً إلى أن المشاكل التي حدثت بعد النطق بالحكم فضحت حجم التواطؤ الأمني في القضية من خلال عدم توفير حماية لازمة في هذه القضية شديدة الحساسية وعلمهم أنها تشهد تعصباً قبلياً بقصد التأثير عليها. واستغرب في حديث ل"الصحوة نت" قيام الجهات الأمنية بنشر عدد كثيف من أفراد الأمن أثناء صدور الحكم عن المحكمة الابتدائية مع أن الحكم لا يثير غضب أهالي المتهم باعتباره أتى موافقا لرغباتهم في الوقت الذي لم توفر مثل تلك الحماية أمام محكمة الاستئناف بعمران. وأوضح بأن الجهات الأمنية بالمحافظة تجاهلت اتصالات المحكمة بطلب تعزيزات وهو نوع من العقاب للمحكمة لأنها قضت بالحكم وفقا للشرع والقانون اليمني. وأضاف: لقد أصبح الأمن في بلادنا يخدم القبيلة ولا يخدم الدولة. بالتزامن، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية وصول 16 شخصاً من أفراد الطائفة اليهودية في اليمن قبل أمس الأحد إلى مطار عمان تمهيدا لنقلهم إلى تل ابيب في عملية تهجير أحيطت بسرية كاملة، وربما بتواطؤ من السلطات اليمنية. وطبقاً لمصادر خاصة ب"نيوز يمن" فإن المهاجرين هم: شكر يحيى النهاري وزوجته، وهما عروسان منذ أسابيع، إلى جانب أسرة هارون عمران المكونة من 9 أفراد، وعائلة علي الجرادي المكونة من 5 أفراد. وذكرت مصادر إخبارية إسرائيلية أن اليهود الجدد وصلوا في إطار حملة سرية قامت بها الوكالة اليهودية. وأشارت الإذاعة إلى أن ممثلين عن الوكالة اليهودية توجهوا إلى اليمن مؤخراً في مسعى لنقل هذه المجموعة إلى إسرائيل. ورفضت الوكالة اليهودية الإفصاح عن أي تفاصيل حول ظروف نقل المجموعة التي تضم ثلاث عائلات. يأتي هذا بعد بضعة أشهر من مغادرة 8 أشخاص هم قوام عائلة سعيد بن إسرائيل، إلى تل ابيب في أعقاب قيام إلقاء مجهولين قنبلة في فناء منزله، حيث انتقل في البدء من ريدة مع زوجته وأولاده السبعة إلى صنعاء، ثم اتجه أخيراً إلى إسرائيل. لم يستبعد القيادي في اللقاء المشترك محمد الصبري " تورط مسئولين كبار في الدولة" في عملية ترحيلهم. هذا وهاجم القيادي في أحزاب اللقاء المشترك عملية ترحيل اليهود اليمنيين إلى إسرائيل، واصفا العملية الأخيرة بأنها صفقة مشبوهة. وطالب الصبري في تصريح ل"الصحوة نت" بفتح تحقيق مع الأجهزة الأمنية حول تهجير اليمنيين إلى إسرائيل والملابسات التي أدت إلى مقتل المواطن ماشا يعيش النهاري والتوضيح للرأي العام خصوصاً وأن هجرة هؤلاء المواطنين تدخل ضمن مسألة التطبيع وتقديم دعم للكيان الصهيوني، معتبراً عملية التهجير إلى إسرائيل مخالفة لكل ثوابت السياسة اليمنية. وفي حين قال بأن هذه الصفقة تثير كثيراً من الأسئلة حول الجهات التي سهلت إتمامها ومدى قانونيتها ودستوريتها، أشار "إلى أن قضية ماشا يعيش خلفت أرضية مناسبة للقيام بمثل هذه الصفقات المشبوهة، فيما الرأي العام منشغل بقضية الانتصار لحق المواطن اليمني ماشا يعيش". وأضاف: "يبدو أن السلطة لم تعد تكترث بحماية حقوق اليمنيين في أرضهم ولا احترام ثوابتهم فيما يخص علاقاتهم القومية الخارجية". وتوقع أن تكشف تفاصيل صفقة ترحيل اليمنيين إلى إسرائيل عما قريب حيث لم تعد هناك أسرار يمكن إخفاؤها مهما كانت – حد قوله. وختم تصريحه بالقول: "إن مسألة ترحيل اليمنيين إلى إسرائيل تتداخل فيها عدة ملفات ذات صلة بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية لليمن، حيث كانت مسألة ترحيل اليهود في الفترة السابقة تتم بنقلهم إلى بلدان مثل أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية وبعدها إلى إسرائيل وكانت مثاراً لكثير من الأسئلة والجدل، حيث دخلت فيها تجارة بالأموال ويقوم بها ويسهلها مسئولون كبار في الدولة". وبلغت الهجمات العدائية ضد الطائفة اليهودية في اليمن ذروتها في ديسمبر العام الماضي، عندما أقدم عبد العزيز يحيى العبدي (39 عاما) طيار سابق من قبيلة خارف، على قتل ماشا يعيش النهاري، وهو شاب في ال35 وأب ل9 أبناء، أنهى دراساته العليا في التلمود بأمريكا منذ نحو 6 سنوات. وقد أصدر الرئيس بعد حادثة مقتل ماشا يعيش توجيهاته بمنح كل أسرة يهودية 5 لبن في صنعاء على أن يتم بيع منازلهم وممتلكاتهم في عمران، لكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى الآن، حيث ما إن يستعد اليهود بعائلاتهم للانتقال بعد تلقيهم إشارات بذلك من السلطات المحلية في عمران حتى يعودون أدراجهم بعد أن يتم إبلاغهم بالتأجيل. صحيفة "موشيه فيغدور" نقلت عن مدير الوكالة اليهودية قوله: إن الوكالة تتابع وضع المجتمع اليهودي في اليمن" ووعد بمساعدتهم بأي طريقة ممكنة. ونقلت "موشيه فيغدور" عن إيلي كوهين مدير قسم الهجرة والاستيعاب في الوكالة قوله: إن الوكالة تطمح إلى جلب معظم اليهود اليمنيين الذي يريدون الهجرة إلى إسرائيل، وسيحصل المهاجرون الجدد على مساعدات خاصة من الوكالة، تشمل منحة بقيمة 40 ألف شيكل لكل عائلة. بالنسبة للطائفة اليهودية في اليمن، كانت فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين زاهية مقارنة بما سبقها. فبعد أن تسلم زمام الأمور تلا بياناً خص به اليهود، حدد فيه واجباتهم وحقوقهم، وتعهد بالدفاع عنهم والانتقام ممن ينال منهم. وتتمثل الامتيازات التي منحها لهم في تقليص عدد الممنوعات المفروضة عليهم كذميين، وإنصافهم ممن يتعرض لهم بالإيذاء.
عام 1930 وحده كانت معابدهم من الكثرة إلى درجة بلغ فيها تعداد كنائسهم، في صنعاء فقط، حوالي 39 معبداً يهودياً مقابل 48 مسجداً. وسمح لهم الإمام يحيى بركوب الحمير. وعندما ظهرت الدراجات الهوائية لأول مرة في اليمن، بعث حاخام اليهود آنذاك سالم جميل برسالة يتودد فيها الإمام ليسمح له باقتناء دراجة، وقد رد عليه الإمام في الرسالة نفسها بهذه العبارة:" ليهديك الله، من المناسب أن تركب حماراً وإذا كنت راغباً في دراجة فليس هناك من مانع". لقد أسدى لهم صنيعا كبيرا، بالمقارنة مع جو التمييز الخانق الذي كان سائداً آنذاك. وبالطبع كان اغتيال الإمام يحيى هي اللحظة المواتية بالنسبة للوكالة اليهودية. ولسوف تبدأ في تنفيذ أكبر عملية تهجير لليهود أطلق عليها "بساط الريح" أو "البساط السحري". فما بين عام 1948 و1952 فقط، تم تهجير زهاء 47170 شخصاً وبتكلفة بلغت 4 ملايين دولار، عبر 430 رحلة جوية.