" قضيتي قضية طويلة، طويلة جداً، لكن أنا اختصرتها لكم، عشان ما أتوهكم...". على مدى يوميين متفرقين، ظل المواطن اليمني منصور علي محسن العيزري، يحضر إلى مقر الصحيفة معية ملفاته، ولأكثر من ساعتين في اليوم الواحد، يحاول أن يفكك لك خيوط قضيته المعقدة..
إن شئتم الاختصار، فالمواطن منصور العيزري، كان تاجراً كبيراً مرتاح البال قبل أن يقحم نفسه في مناطحة قيادات كبيرة في وزارة الدفاع. فمنذ العام 2002، وحتى اليوم، والرجل يكافح بشتى الطرق والوسائل من أجل استخراج 2.000.000 $ (مليونا دولار أمريكي) أي ما يقارب نصف مليار ريال يمني! من وزارة الدفاع، قيمة قطع غيار وردها لقاعدة الإصلاح المركزية التابعة للوزارة في 3 – 7 - 2002.
الأمر الجيد أن منصور لم يفقد عقله (يجن) على الأقل: حتى الآن. أما الأمر السيئ، فهو أن "منصور" – الذي ينتمي لمديرية أرحب، محافظة صنعاء– يمتلك قلب محارب، وروح مظلوم، الأمر الذي يجعلني أتخوف من إمكانية إقدامه على مغامرات قد لا يحمد عقباها.
هذا ليس تحريضاً، فالرجل وجه مناشدة لرئيس الجمهورية، لمح في نهايتها بالقول ".. وكأن ما يقومون به هو مقصود لتحريض المواطن وإجباره للخروج عن القانون والدستور باللجوء إلى العنف مثل التقطعات والاختطافات وتشويه سمعة الوطن مجبراً وكارها رغماً عن حبه لدينه ووطنه وقائده..". وأثناء تجاذبنا الحديث أسر لي بما معناه: "الحياة في لحظة ما، قد لا تساوي لي حبة سيجارة".
وأثناء شرحه المطول، كان منصور يتوه بين الأرقام والتواريخ، فاضطر إلى استفساره ، فيتوقف ويصحح المعلومة، ليبرر ذلك بالقول "ما عادناش بحس كامل، وكم من مسئول يقول لي أتحمد الله أنك عادك بحس".
ويتهم الرجل، القيادات العسكرية العليا بقاعدة الإصلاح المركزية، بتوريد قطع الغيار لمخازنها، ثم بعد ذلك، القول له أنهم لا يريدون كافة القطع بل الصالحة منها، ويتهمهم بالتلاعب بأعدادها وإخفاء وتغيير أسماء بعضها. وهو ما تنفيه تلك القيادات وتطالبه استعادة القطع غير الصالحة واستلام قيمة القطع التي تحتاجها القاعدة فقط.
تفاصيل القضية في العام 2002، عرض العيزري على قاعدة الإصلاح المركزية أن يبيعها قطع غيار جديدة، فصدر تكليف من نائب رئيس الأركان للشئون الفنية، إلى الأخ مدير قاعدة الإصلاح صيانة، بتشكيل لجنة للنزول إلى مخازن العيزري للكشف عن القطع والمعدات التي معه وسحبها إلى القاعدة وتقديم كشف كامل بها (تاريخ 26 – 6 – 2002). شكلت اللجنة ونزلت إلى المخازن، ورفعت تقريرها الأولى بأن القاعدة بحاجة إلى معظم القطع للاستفادة منها، ونظراً لأعمال اللجنة الداخلية لم تتمكن من زيارة الموقع الثاني، فاقترحت على التاجر إحضار قطع الغيار كاملة إلى القاعدة ليتم فرزها هناك، وأخذ ما يستفاد منها مع إعادة الباقي، فوافق العيزري، وتم ذلك.
وهنا بدأت المشكلة. إذ يتهم العيزري القيادة بالتلاعب به، من خلال اختيار بعض القطع وتسعيرها بالأسعار التي يريدونها، مع إخفاء وتغيير أسماء بعض القطع الأخرى. ويقول أن الاتفاق كان بشراء كامل القطع.
شكلت لجنة بعد أخرى، غير أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق. وصل الأمر إلى التحكيم. وصدر الحكم من المحكمين: الشيخ أحسن حسن زيد، والشيخ محمد علي الكول.
خلص التحكيم – الصادر بتاريخ: 9 – 12 – 2005 - إلى أقرار توريد العيزري لقطع الغيار، لكنه (التحكيم) لم يحسم كميتها وأسعارها، فأقر تشكيل لجنة لذلك. وأعتبر المشايخ كل من الطرفين: العيزري، والقاعدة، مخطئين بسبب سماح الأول بتوريد قطعه للقاعدة بدون حصرها وتحديدها بكشف مع الأسعار، بعد الموافقة عليها قبل التوريد. بينما أعتبر خطأ القاعدة أنها أخذت الكمية كاملة إليها، فيما كان يجدر بها أخذ ما تريده فقط، مع حصره وتحديده بجدول، مع الاتفاق على السعر. وحكم على القاعدة بشراء كافة القطع دون استثناء، وبالسعر الذي تحدده لجنة المشتروات بوزارة الدفاع، بينما حل التحكيم قضية إدعاء العيزري على القاعدة بإخفاء بعض القطع، أنه ليس له من القاعدة إلا عهد الله، وعليه القنوع بذلك"
رفض العيزري تشريف (الموافقة) على الحكم، ووافقت القاعدة، لكن القضاء العسكري ألزم الطرفين بالقبول، وعمد ما جاء في التحكيم. معتبراً أن عدم الطعن فيه خلال الفترة القانونية يحسم ما جاء في التحكيم وما على الطرفان إلا القبول به، كما أعتبر أن استلام العيزري مبلغ (2.000.000) ريال يمني، من القاعدة دليل على رضاه بحكم التحكيم.
واعتبر العيزري أن المبلغ السابق، هو جزء بسيط جداً من مستحقاته البالغة مليونا دولار، على اعتبار أن القضية سيتم حلها باستكمال بقية الإجراءات، قائلاً:"لم يصرف لي سوى 2 مليون ريال من قيمة مستحقاتي، كإسعاف، على أساس أن يوجه نائب رئيس هيئة الأركان، المشتروات بإنجاز بقية الإجراءات، لكنهم رفضوا وظلوا يتلاعبون بي حتى اليوم". موضحاً أن مخاسيره وديونه على ذمة القضية، فقط، بلغت حتى الآن: 44 مليون ريال..!
وحول التحكيم وإلزام القضاء العسكري له، قال أنا ملزم من القضاء العسكري لتنفيذ الحكم، على الرغم من الحكم جاء لمصلحة الأقوياء، لكني وافقت ملزماً شريطة أن يتم أخذ عهد الله من القاعدة بحسب التحكيم.
حتى الآن لم يتم شيء. ويقول العيزري في مناشدته الأخيرة للرئيس والموقعة باسمه بتاريخ 7 – 7 – 2010 والمسلم نسخة منها للصحيفة، أنه لم يكن يريد إخراج القضية للصحافة "حرصاً على سمعة وطني"، لكنه تفاجأ بالتهديد والوعيد ومحاولة اختطافه، وأغلقت أمامه كافة الأبواب. لدى العيزري حوالي 30 توجيه من قيادات عليا بضمنها توجيهات من رئيس الجمهورية، تقضي بالنظر في قضيته، وحلها. وكذا من العميد علي محسن الأحمر، ووزير الدفاع، و.. الخ.
ومن بين قرابة 200 ورقة ووثيقة، كان يخرج ما يعتقد أنه يعزز مظلوميته، وبين تلك الأوراق كشوفات بعدد القطع التي وردها للقاعدة، خاصة به، وكشوفات أخرى بالقطع المحصورة من اللجنة الأخيرة المشكلة للجرد والإحصاء، إلى جانب وثائق يقول إنها تثبت وجود تزوير رسمي بالأوامر والتوجيهات يقول انه تم تغير تواريخها بهدف التلاعب به وحرمانه من مستحقاته.