ربما اعتقد الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، ان مصر يمكن أن تستقبله بالأحضان وترميه بالورود، هذا الاعتقاد الساذج رد عليه المصريون بوضوح عند الأزهر، المكان الذي يرى نجاد ان له حقاً فيه، لم لا، ومن بنى هذا المبنى هم الفاطميون الذين يشاركون الرئيس الإيراني العقيدة. زيارة رئيس إيران للأزهر على وجه الخصوص تعتبر زيارة رمزية ما كان يجب أن يسمح بها، لأنها تثير مسألة تاريخية وتبعث أحلاماً إيرانية بالامتداد داخل العمق العربي، ولعلي أتذكر هنا اهتمام مؤسسة الأغاخان بالقاهرة الفاطمية على وجه الخصوص وتبنيها مشروع حديقة الأزهر وتمويلها لهذا المشروع والترميم الذي قامت به لشارع المعز الفاطمي، إنها الرغبة في بقاء البعد الفاطمي للقاهرة والحلم في استعادة ذلك الحضور القديم، رغم أن الفاطميين انفسهم لم يستطيعوا تحويل المصريين إلى عقيدتهم وقد كانوا يحكمون مصر. الأحذية التي استقبلها نجاد عند الأزهر، الرمز، ترد على محاولات الاختراق الإيراني لمصر، فالمصريون لن يقبلوا ان يخترقهم نجاد أو غيره، وحتى لو كانت الحكومة المصرية ترغب في وجود علاقات مع إيران، فإن المصريين لن يقبلوا بهذه العلاقة التي يبدو أنها تتعارض مع مزاج أغلب المصريين. إنها علاقة تحاول أن تعبث بالعمق الاستراتيجي للعالم العربي وتفككه وتشتته، فإيران لها نفوذها الآن في العراق وفي سوريا ولبنان ولو استطاعت في يوم أن تستميل المصريين لجانبها فهذا سيكون له عواقبه الوخيمة على مستقبل العالم العربي ككل، فالعلاقة بين مصر وإيران لن تكون علاقة مصالح ثقافية واقتصادية، بل علاقة اختراق وتمدد داخل العمق المصري. هذا الموقف ليس تحسساً من إيران، وليس محاولة للنظر للمواقف السياسية بعين طائفية، ولكن الحقيقة هي أن إيران تعمل دائماً في الخفاء وإذا واتتها الفرصة تصرح دائما بتهديداتها وكأنها تملك العالم، فلو فعلاً كانت تقدرعلى تنفيذ تهديداتها، فماذا ستفعل. المشكلة هي أن إيران تقيس الامور بمقياسها الطائفي فهي لا تتعامل مع العلاقات مع من يجاورها أو حتى بقية دول العالم باسلوب المصالح المشتركة، ولكن هدفها الوحيد هو نشر مذهبها الطائفي واستغلال الظروف السياسية والاجتماعية لتحقيق هذا الهدف، كما يحدث هذه الأيام في اليمن. التدخل الإيراني لا يتوقف ودائماً يرتكز على إثارة الفتن والفرقة داخل المجتمع الواحد، فعلاقاتها مبنية على مبدأ "الهويات القاتلة" على حد قول (معلوف)، وهذا في حد ذاته خطير ويجب أن نكون متيقظين له. السؤال الذي يطرحه البعض هو: وما الضير في أن تقوم علاقة بين مصر وإيران، وهو سؤال مشروع، ولماذا يعترض المصريون على وجود مثل هذه العلاقة، ولماذا هناك خوف من هذه العلاقة. مصر تقيم علاقات مع كل دول العالم، ودول الخليج تقيم علاقات مع إيران، فلماذا مصر بالذات التي يجب عليها ألا تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران. يبدو أن هذه الأسئلة المشروعة تضغط على الساسة المصريين، لكن يجب أن ننبه هنا إلى أن إيران لها مطامع تاريخية في مصر وهي لا تكتفي بالعلاقات الدبلوماسية المتوازنة، كما هي عادتها، ولها مشاريع سياسية وعقائدية لا يمكن القبول بها. العلاقات مع إيران لن تكون متكافئة، فهي دولة لديها استعداد للتضحية باقتصادها وبشعبها من أجل أحلام تاريخية لن تتحقق في يوم، ومن يقيم علاقة مع هذه الدولة، يجب أن يصرف جل جهده في مراقبة ممارساتها الطائفية. علاقة دول الخليج مع إيران هي علاقة جغرافية مفروضة، وهي ليست علاقة حقيقية قائمة على توازن سياسي واضح، ويغلب عليها التهديد وازدواجية المواقف، وخير مثال على ذلك موقف ايران من البحرين حيث اقامت الدنيا واقعدتها من أجل دعم مجموعة طائفية ارادت هدم الدولة بينما تقف ايران مع نظام بشار الأسد بكل طاقتها لأنه نظام يعتقد نفس المعتقد الإيراني ولا تبالي بالذبح اليومي للسوريين. هذه الدولة طائفية بكل ما تحمل الكلمة من معنى وليس لديها معايير سياسية واضحة وعلاقاتها الدولية قائمة على تحقيق احلامها الطائفية فقط ولا يعنيها أي مصالح اقتصادية او تعليمية، والمصريون يعون هذا الأمر وهم على قناعة أن العلاقة مع إيران ليست ذات جدوى وليست لها قيمة حقيقية ومضارها أكثر بكثير من منافعها، فضلًا عن مخاوفهم من مساعي إيران الدائمة لنشر الصفوية في العمق المصري والعربي بشكل عام، وهي مخاوف في مكانها. اعتقد أن الأحذية المصرية والسورية التي استقبلت نجاد عند الأزهر ترد على فكرة "السياحة الدينية" التي تتحدث عنها إيران عندما تكون هناك علاقة دبلوماسية كاملة، فسوف يستقبل المصريون الايرانيين بأحذيتهم، والحقيقة أن فكرة السياحة الدينية للقاهرة خطيرة جدا، ففي هذه السياحة إحياء للذاكرة الفاطمية، وهو الحلم التاريخي الماثل في الذهن الإيراني الصفوي منذ القدم ولم تستطع أن تحققه إيران ووقفت له مصر بالمرصاد. تخيلوا معي أن يمتلئ الأزهر بالإيرانيين ويتسكع هؤلاء في شارع المعز ونرى اللافتات الإيرانية التي تحيي الذاكرة الشيعية في قلب القاهرة. مع أنني شخصياً لست ضد اي مذهب ولا أحمل ضغينة لهم (وكثير منهم زملاء وطلاب) لكنني ضد الفكر الايراني المبني على فرض الأمر بالقوة أو بالحيلة، وهذا في اعتقادي ليس دهاء سياسياً بل هو نوع من قلة الحياء السياسي. المحاولات المستميتة من قبل إيران كي توجد لها مكاناً في مصر والعالم العربي لن تنجح ابداً، وأحمدي نجاد غير مرحب به ليس فقط في مصر بل وفي كافة العالم العربي، ومن يدعي أن هناك علاقات دبلوماسية حقيقية مع إيران في أغلب الدول العربية، فهذا غير صحيح، ليس لأننا نرفض إيران بل لأننا نرفض سياسات النظام الإيراني الطائفي، ويجب أن أوضح هنا أن لي زملاء إيرانيين في كافة انحاء العالم وتربطني بهم علاقات جيدة وهم أنفسهم يرون أن سياسات النظام الإيراني اضرت بالشعب الإيراني وأفقرته وحولته إلى شعب يعيش أغلبه تحت خط الفقر، ولعلنا سمعنا مؤخرا بإفلاس أكثر من 150 تاجراً إيرانياً في الإمارات وأن الضغوط الاقتصادية التي يعيشها الشعب الإيراني نتيجة مغامرات نظامه سوف تؤدي إلى انهيار هذا النظام لا محالة. إنه نظام "فاشي" يذكرني بالمغامرات "الهتلرية" التي زينت لهتلر غزو العالم، وهذا ما يراود نجاد ونظامه.