في مرحلة رسم ملامح منطقة الشرق الاوسط الواسع، هذه يبدو أن ما يحدث في مصر كارثة بكل المقاييس ليس على مصر وحسب، بل على الأمتين العربية والإسلامية وذلك بالاستناد إلى الاعتبارات التالية: 1- أن الفرقة بين أبناء الشعب المصري الواحد، يضعف مصر ويدخلها في صراعات وتباينات معيقه لنهوض الدولة وتطورها في المجال التنموي ويضعف دورها القيادي في المنطقة، وهو ما ينعكس سلباً على المنطقة ويخدم أعداء الأمة . 2- يلاحظ أن العرب أشداء فيما بينهم رحماء مع أعدائهم، وهذا عكس المبدأ القرآني, ولهذا يصدق علينا القول إذا تخاصمنا فجرنا، لأن ما يحدث في مصر وما يطرح في الإعلام المصري هو فجور بواح وكذب وتشويه خرج عن قواعد اللعبه السياسية وبالمثل ما يحدث بين الاشقاء العرب والمسلمين . 3- أكثر ما يثير الاستغراب في هذا السياق من سياسيين وعلماء سياسة كبار، غاب عنهم حسن التقدير والنظر الحصيف للآثار الخطيرة على مصر ومستقبلها السياسي بشكل خاص وعلى الأمة بشكل عام, فهم لا يفكرون بعواقب ما يطرحونه من وصف سياسي للإخوان، يسجل لدى أعدائهم وبالذات اليهود كاعتراف بأدلة دامغة أن المصريين إرهابيين.. وهنا أتساءل ألم يجدوا مصطلحاً أفضل من هذا المصطلح الخطير والذي جاء لأول مره بكتاب إسلام فوبيا لمؤلف يهودي بنهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي؟. أليس من الأجدر وصف الإخوان بالخارجين عن القانون أو بالعملاء أو حتى بالمجرمين أو أي مصطلح بعيداً عن ظاهرة الإرهاب التي تهدف إلى إلصاق الإرهاب بالإسلام الحنيف بغرض تشويهه ودفع الكثير من الشباب إلى الإلحاد كما هو حاصل في شريحة واسعة ن الشباب المصري والعربي. 4- أن وصم الإخوان المسلمين وهم أقل الفصائل الإسلامية تطرفا وأوسعها تمدداً على الساحة العربية والإسلامية بالإرهاب، يفتح المجال لتصنيف المسلمين كافه بالإرهاب وهو ما خطط له الغرب. لقد ارتكب الأخوان أخطاء وقاموا بممارسات تعسفية أرعبت المجتمع المصري الحر والمنفتح وأثارت قلق شريحة كبيرة من المصريين سواء الأقباط أو المسلمين ذووا الرؤى والأفكار المخالفة لهم وخاصة شريحة الفنانين ومن يعمل في المجال السياحي وغيرهم، ودفعتهم للالتحام مع فلول النظام السابق والخروج بتلك الأعداد الكبيرة والغاضبة والمصممة على رحيل الإخوان. إن من أهم الذرائع التي نفذ منها الجيش للتدخل في الشأن السياسي، ما بدا أنه تعنت من الإخوان وغباء سياسي لا مبرر لهما، متناسين أنهم أتوا بعد ثوره اشترك فيها العديد من القوى السياسية وشرائح واسعة من المجتمع المصري المختلفة التوجهات والعقائد والمشارب السياسية ومختلف المذاهب الفكرية والدينية. وفي مثل هكذا وضع ومن الدروس المستفادة من الثورات التاريخيه ابتداء من الثورة الفرنسيه وغيرها من الثورات في مختلف أنحاء العالم كان يجب على الإخوان إبداء مرونة كبيرة في التعامل مع القوى السياسية واستيعابها في مشروع الدولة الجديدة، عوضاً عن الاستفراد برؤها في إدارة السلطة وصياغة دستور البلاد. ومن المهم في هذا السياق أن يعي المصريون أن بلدهم لن يستقر إلا من خلال توافق كل المصريين وفي مقدمتهم الإخوان، أخذاً بالاعتبار أن الهدف الذي كان وراء حملة التشويه والاعتقالات وإحكام قبضة الحصار على أنشطة الإخوان الميدانية والفكرية الذي سعى إليه الجيش والقوى المتحالفة معه في الداخل والخارج - المتمثل في كبح جماحهم والحد من توسعهم وإحداث تفكك بنيوي في منظومتهم السياسية وإفشالهم في إدارة السلطة بالشكل الذي كان يأمله الشارع المصري المتأثر بأفكارهم وشعاراتهم الرنانة - قد تحقق ,بالإضافة إلا أنهم اليوم أكثر استعداد للتقديم التنازلات اذا ما بدأت القوى السياسية والجيش بالتفاوض الجاد والوطني معهم وعقد اتفاق سياسي يعيدهم الى المسرح السياسي عبر انتخابات تضمنها قوى ومنظمات دوليه. وأكاد اجزم ان هذه الانتخابات لن تعطي الإخوان النسبة التي خرجوا بها في الانتخابات السابقة، وقد يكون الوقت الآن مناسباً لإخراج قادتهم من السجن كبادرة حسن نيه ومن ثم البدء بالتفاوض معهم، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيكون له عواقب وخيمة على التماسك والأمن الاجتماعي وسيعطي الفرصه للتدخلات الأجنبية عبر تحالفات واسعة مع الكثير من القوى السياسية، وسيدخل مصر في صراع داخلي لخدمة أجندات خارجية هدفها تدمير مصر وإشغالها لإضعاف دورها وضمان عدم معارضتها لسياسة إعادة خارطة منطقه الشرق الأوسط الكبير وفق نظرية الفوضى البناءة التي وضعتها وأعلنت عنها كوندليزا رايس. وهذه السياسة كما هو معروف تهدف لإعادة رسم خارطة المنطقة وتوزعيها بين عدة مشاريع يأتي على رأسها المشروع الصهيوني الذي يراد أن يكون له الغلبة وأن يلعب دور القائد للمنطقة ليحل محل الولاياتالمتحدة التي أرهقت ماليا نتاج تدخلاتها في المنطقة وتأثر جراءها الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير، وانعكس ذلك سلبا على حياة ورفاه المواطن الأمريكي, وأظهر حالة من التذمر والاستياء الكبير في الشارع الأمريكي. كما أن من مصلحة أمريكا تسليم راية القيادة لحليف يضمن مصالحها، بعد إخفاقها في احتواء المشاريع الإقليمية مثل المشروعين الإيراني والتركي، فقد ظهرت بوادر اتفاق بتقسيم المنطقه بين هذه المشاريع بشرط ان تكون الغلبة في قيادة المنطقة لإسرائيل. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة خطى سريعة لتمرير اتفاق عربي –إسرائيلي وفق الرؤية الإسرائيلية خاصة وان قوى الممانعة مشغولة بصراعاتها الداخلية على رأسها مصر وسوريا والعراق بالإضافة إلى دول الربيع العربي.بالأضافة الى حالة التوتر بين مختلف دول منطقه الخليج والعالم العربي , وهو ما يجعل هذه الفترة أفضل فرصه قد لا تتكرر لتمرير ترتيبات وفق الأجندة الأمريكية والإسرائيلية. أنهي هذه التناولة بتوجيه النصح لكل عقلاء مصر وقادتها السياسيين والعسكريين وكل أبنائها الشرفاء والوطنيين، ولكل أبناء ألامه العربية والإسلامية وأقول للجميع: إن الوقت قد حان لإعادة النظر في ما صار إليه وضعكم وأن المرحلة اليوم هي مرحلة تشكيل لملامح النظام العالمي الجديد والذي يشكل الشرق الأوسط بموقعه الجغرافي الذي يتوسط العالم وبما يزخر به من موارد ومصالح اقتصاديه، الأساس في بنية هذا النظام. والله من رواء القصد.