*من أجمل الأشياء التي تعجبني في المملكة العربية السعودية هو إغلاق كافة المحال التجارية حين يرفع المؤذن صوته العالي مناديا إلى الصلاة، وهو عمل ديني خلاق يساهم في المداومة على الصلاة، فالتاجر أو العامل في المحال حين يعلم أن محله لن يعمل حتى تنتهي الصلاة، سيرى أن من الأفضل له الذهاب إلى المسجد بدلا من الجلوس دون عمل، وربما يهديه الله ويعلق قلبه بالمساجد، ويصبح مداوما عليها ويفلح في دنياه وأخرته، فالصلاة عماد الدين، ثم أن عشر دقائق أو حتى عشرين دقيقة تؤدي فيها حق الله ليست بالكثيرة. *الحادثة المرعبة التي سأحدثكم عنها وقعت في منطقة البطحاء التي يتواجد فيها عدد هائل من المقيمين اليمنيين، وهي منطقة تقع في قلب العاصمة السعودية الرياض، وقد جرت وقائع هذه الحادثة قبل أكثر من عشرة أعوام، ففي أحد المساجد الواقع على شارع الرايل كان هناك منظرا أصبح مألوفا، فهناك ثلاثة من الشباب اليمنيين اعتادوا على التوجه إلى المسجد، لكنهم لا يلجون إلى المسجد ولا يصلون، بل يجلسون بالقرب منه وهم يدخنون السجائر، حتى تنتهي الصلاة، ثم يعودون إلى أعمالهم، وقد اعتادوا فعل ذلك فلم يعودوا يخافون ربهم ولا يشعرون بالحياء من المصلين الذين ينظرون إليهم شزرا، لكن حدث شيء غير ذلك إلى الأبد.
*ذات يوم حين كان الشباب يشفطون دخانهم المعتاد تقدم نحوهم مطوع باكستاني ضخم الجثة وأخذ يتكلم معهم بلغة عربية مكسرة لكنها كانت مفهومة، فقد أخذ يمتدح اليمن وأهلها، وأنهم أهل إيمان وحكمة، واخذ يحدثهم عن أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام ، وفعل ذلك بلغة مؤدبة دون زجر أو تشديد، وقد أفلح بصوته الهاديء في إحراج اثنين منهم ، فرموا دخانهم، وتوجهوا مباشرة إلى المسجد لصلاة الظهر، أما الثالث – وكان ضخم الجثة – فقد أخذته العزة بالإثم وأغلظ القول للمطوع الباكستاني وهدده بالعواقب الوخيمة إن هو لم ينصرف ولم يتركه وشأنه ، فتركه المطوع وتوجه للمسجد.
* حين خرج المصلون من المسجد عقب الانتهاء من الفريضة احتشد الجميع وأخذوا يحوقلون ويكبرون ويهللون ويذكرون الله كثيرا، كانت الدماء غزيرة، فقد وقع حادث رهيب أودى بحياة ذلك الشاب اليماني الذي رفض نصيحة المطوع الباكستاني حيث سقطت قطعة كبيرة من الحديد من المبنى الذي كان بجوار المسجد وكان قيد الإنشاء، فهشمت رأس اليمني حتى أصبح التعرف عليه مستحيلا، وبالقرب من جثة الضحية جلسا الشابين اللذين كانا مع الضحية قبل الصلاة يصرخان بالبكاء، ويدعوان له بالرحمة، أما المطوع الباكستاني فقد جثا على ركبتيه بالقرب من الضحية والدموع تنهمر من عينيه، وأخذ يتمتم بلغة لم أكن أفهما، وربما كان يدعوا له بالرحمة، ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد يشاهد شخصا يدخن بالقرب من المسجد.