الروابط بين المملكة واليمن تتجاوز التاريخ والجغرافيا إلى المصالح الحيوية التي لا تستغني عنها دولتان متجاورتان، فهناك علاقات تضرب في عمق الماضي وتصل بقوتها إلى الحاضر والمستقبل، ولذا فقد كان وقوف المملكة إلى جوار اليمن قديما، ولم تتخل عنه حتى في ظل الأحداث التي أدت إلى تدخل دول مجلس التعاون الخليجي لتفادي انهيار النظام، والبحث عن مخرج سياسي يوفق بين الأطراف المتصارعة على السلطة ويضع حدا لخلافاتها التي لن يجني الشعب اليمني من ورائها سوى انعدام الاستقرار وفقد الأمن والوقوع في فخ الحرب الأهلية والصدام الطائفي والقبلي، وقد عبر مجلس الوزراء في المملكة عن قلقه البالغ وتبنيه للحوار السياسي بين الأطرف في اليمن للوصول إلى حل نهائي للأزمة. ورغم الجهود المتواصلة والصادقة التي بذلتها المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي والأممالمتحدة، إلا أن الأوضاع في اليمن سارت نحو أسوأ سيناريو يمكن أن ينتظر هذه الدولة البالغة الحساسية في موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية مذهبيا وقبليا، والأخطر أن هذه الأزمة التي تعصف باليمن الآن ولما تنته بعد، سيكون لاستمرارها أكبر الأثر في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، كما ستكون لها أيضا نتائج قريبة المدى على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لسكان اليمن البالغ تعدادهم 30 مليون نسمة تقريبا، ولذا فقد بادرت المملكة ومعها دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الأممالمتحدة إلى التحذير مما يجري، بل استنكار ما قامت به الميليشيات الحوثية المسلحة.
لقد سقطت صنعاء بالكامل في يد هذه العصابة المسلحة التي بادرت فورا إلى إلغاء دور رئاسة الجمهورية وفرض أجندتها المحلية والإقليمية وتغيير القيادات واستبدال قيادات حزبية بها، ولما لم تجد من يعترف بما قامت به من انقلاب كامل على الشرعية بادرت إلى التحذير من مغبة ما يجري ثم الإعلان عن دستورها ومجلسها ذي الصفة البرلمانية، ما أدى إلى اتساع رقعة الصراع المسلح ذي الطابع المذهبي والقبلي البحت، حيث تمتد مواقع تبادل إطلاق النار بين القبائل وميليشيات الحوثي من محافظة إلى أخرى، وهو ما ينذر بحرب أهلية مفتوحة في دولة تحمل في تركيبتها السكانية تأهيلا لهذا التحول الخطير. لذا فإن كل من يراقب المشهد في اليمن يتخيل ما يمكن أن تصل إليه حالة التدهور الأمني في العاصمة وباقي المحافظات، حيث بادرت عدة دول، منها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى إغلاق سفاراتها وسحب موظفيها، بل تحذير مواطنيها من السفر إلى اليمن أو البقاء فيه مهما كانت الأسباب، فإيران تعبث بأمن اليمن، وإلى جانبها جيوب منتشرة في المحافظات تحمل فكر «القاعدة»، بل تنتمي لها وتعلن الولاء لقيادتها وتتبنى برنامج عملها المحلي والإقليمي، وهو ما يعني أن هناك من سيقف لفترة على الحياد ثم لا تلبث الأوضاع أن تتحول إلى ميدان صراع سينتهي لأحد الأطراف المتصارعة، وربما تطول المواجهة لنشهد السيناريو ذاته الذي يعيشه الشعب السوري منذ أربع سنوات. إن جميع دول العالم قلقة بسبب ما يجري في اليمن لأسباب ذات صلة وثيقة بالحرب على الإرهاب الذي سيجد له مرتعا خصبا في اليمن في مثل هذه الظروف، ومن جانب آخر فالعالم قلق أشد القلق نظرا لوجود أياد عميقة للاعب الإيراني الذي عايشنا دوره وتدخلاته السافرة وشاهدنا كيف يخطط وكيف يتصرف في لبنان والعراق وسورية وأخيرا اليمن، ما يجعل العالم يثمن سرعة التدخل الخليجي في البحرين لمنع وقوع كارثة مماثلة، علما بأن إيران تسير على برنامج طويل النفس يعتمد على الصبر وعدم اليأس وتحمل التكاليف ودعمها المكشوف لمليشيات مسلحة بهدف تحقيق مآربها من خلال زعزعة أمن المنطقة.