انطلقت "عاصفة الحزم" في الساعات الأولى من صباح الخميس 26 مارس بقيادة المملكة ومشاركة العديد من دول المنطقة وخارجها، بناء على طلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ومن اللحظات الأولى لقيت العملية دعماً حماسياً في اليمن شماله قبل جنوبه. كما وافقت الحملة العسكرية توافقاً إقليمياً ودولياً نادراً ما رأيناه في أزمات أخرى. لماذا هذا التوافق؟ قبل انطلاقة عاصفة الحزم، بدأ اليمنيون يفقدون الأمل في أن يهب أحد لمساعدتهم لوقف حملة العنف والتركيع التي شنتها عليهم الميليشيات الحوثية بعد انقلابهم على الشرعية في 21 سبتمبر 2014. وظهر الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقد أسكرتهم نشوة الانتصار النابع من فوهة البندقية، فنقضوا كل اتفاق وقعوه ونكثوا بكل الوعود، بما في ذلك المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، التي أقروها بأنفسهم ضمن إجماع يمني نادر، واتفاق إقليمي ودولي غير مسبوق، تمثل في قرارات مجلس الأمن وبياناته المتكررة، التي باركت ذلك الإجماع. ولمدة ثلاث سنوات، منذ التوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011 إلى الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014، كان اليمن يُعدّ مثالاً ناصعاً للانتقال السلمي للسلطة، خاصة بعد أن توصل مؤتمر الحوار الوطني إلى حزمة شاملة من المخرجات تغطي مواضيع الانتقال السياسي وما بعده، وتمثل أوضح توافق سياسي في تاريخ اليمن. أشرف على ذلك الحوار الرئيس عبدربه منصور، الذي انتخب في فبراير 2012، في انتخابات حرة نزيهة حصل فيها على نحو سبعة ملايين صوت. وعلى الرغم من مقاطعة بعض الحوثيين للانتخابات، شارك فيها اليمنيون بنسبة عالية 65% من إجمالي الناخبين المسجلين صوّت كلهم تقريباً للرئيس هادي. فإلى أن استولى الحوثيون على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية في سبتمبر الماضي، كان اليمن في طريقه إلى الاستقرار، وفق خطوات واضحة هي الاستفتاء على مسودة الدستور والانتخابات النيابية والرئاسية، وبدعم سياسي واقتصادي، إقليمي ودولي. وتستند مسودة الدستور على التوافق اليمني الذي عبّرت عنه مخرجات الحوار الوطني. وكان مفترضاً أن تعكس الانتخاباتُ المتفقُ على تنظيمها الخياراتِ اليمنيةَ الحقيقيةَ لمنصب الرئيس ولمجلس النواب، وأن تحدد نسبة الدعم الذي يتمتع به كل فريق، بما في ذلك الحوثيون والرئيس السابق صالح، لدى الشعب اليمني. ومن الواضح أن الحوثيين وحلفاءهم كانوا متخوفين من نتائج الانتخابات التي ستحدد حجمهم الحقيقي، فطموحاتهم أكبر من ذلك. كان مخططُهم الوصولَ إلى الحكم المطلق، بصبغة مذهبية، بصرف النظر عن رغبات الأغلبية في اليمن، الذين رفضوا بكل وضوح برنامجهم الأصولي المذهبي الطبقي. فلما كانت الانتخابات الحرة عائقاً أمام تحقيق برنامجهم، قام الحوثيون بانقلابهم في 21 سبتمبر 2014 ضد الرئيس الشرعي هادي، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية حين رفض الانصياع لتهديداتهم. ولم يتمكنوا من الانقلاب لولا دعم القوات العسكرية والأمنية الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي حكم اليمن 33 عاماً، وكان من المفروض أن يتخلى عن سيطرته على تلك القوات بعد تنازله عن الحكم في نوفمبر 2011. ومع التوافق اليمني ضد برنامج الحوثي وأسلوبه التسلطي، هناك توافق إقليمي ودولي نادراً ما رأيناه في الأزمات الأخرى. فمجلس التعاون عبر مراراً عن دعمه لتوافق الشعب اليمني وما أقره من خطوات نحو الأمن والسلام، وكان للمجلس حصةُ الأسد من المساعدات التي رُصِدت لتنمية اليمن، وأكد المجلس دعمه للرئيس هادي ممثلاً للسلطة الشرعية الوحيدة في اليمن. واتخذت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي المواقف نفسها، كما ظهر جلياً في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ. ومنذ 2011، أصدر مجلسُ الأمنِ الدوليّ قراراتٍ وبياناتٍ عدةً تدعم الانتقال السلمي للسلطة في اليمن من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، في مثال نادر لإقرار المنظمة الدولية بالدور الوطني والإقليمي في حل النزاعات. وعلى غرار مجلس التعاون والمنظمات الإقليمية الأخرى، أعلنت الأممالمتحدة دعمها الكامل للرئيس هادي ورفضها لانقلاب الحوثيين، وطالبتهم بالانسحاب من المناطق التي احتلوها والمؤسسات الحكومية التي سيطروا عليها وإعادة الأسلحة التي نهبوها. وأصدر المجلس قرارات، تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، توقع عقوبات على "المعرقلين" للعملية السياسية تشمل بعض قيادات الحوثيين وعلي عبدالله صالح. وبناء على هذا التوافق اليمني والإقليمي والدولي، استجابت المملكة وشركاؤها في مجلس التعاون في 8 مارس 2015 لطلب الرئيس اليمني هادي استضافةَ مجلس التعاون لمؤتمر في الرياض تشارك فيه كل الأطياف السياسية، للعمل على إعادة العمل السياسي إلى مساره الصحيح. رفض الحوثيون المقترح، وسارعوا بمحاولة استكمال مشروعهم التوسعي باستخدام القوات الموالية لصالح، في هجوم دموي استخدم الأسلحة الثقيلة على عدة مناطق، بل قصفوا قصر الرئيس هادي في عدن بالطائرات مستهدفين قتله، وشددوا الخناق على عدن مستولين لفترة على مطارها. وأمام هذا الهجوم الشرس، بعث الرئيس هادي في 24 مارس رسائل لقادة مجلس التعاون ولمجلس الأمن والجامعة العربية يطلب فيها التدخل العسكري لمنع سقوط عدن. وبالتزامن مع تمددهم نحو الجنوب، اقترب الحوثيون من الحدود الجنوبية للمملكة، ونظّموا تمارين عسكرية على الحدود، مهددين بنقل المعركة داخل الأراضي السعودية، معيدين بذلك ذكرى غزوهم السعودية في 2009 الذي باء بالفشل. في 26 مارس، استجابت المملكة لنداء هادي ب"عاصفة الحزم" وتحالف إقليمي ودولي لإنقاذ عدن وإفشال المشروع الحوثي. ولو تأخر الرد يومين أو ثلاثةً، لتمكن الحوثي من دخول عدن وبدء حمام دم وحرب أهلية، قد لا يتمكن أحد من إطفائها، تطال نتائجها الوخيمة دول الجوار والعالم، فضلا عن طرق الملاحة الدولية. الأسئلة المطروحة الآن بعد بدء عاصفة الحزم هي: ما أهداف الحملة العسكرية؟ ومتى تستعيد الحكومة اليمنية، بدعم من حلفائها، القدرة على تنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي لاستعادة الاستقرار في اليمن واستكمال عملية الانتقال السياسي؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه الأسبوعَ القادم. نقلا عن "الوطن" السعودية