لو أن كل شخص أو جماعة أو حزب استعان بالخارج ضد آخرين في الداخل، وكل من أيد تدخلا خارجيا في بلده يعتبر عميلا وخائنا، فاليمن وبلا فخر تكون عاصمة العمالة منذ القدم وليس ابتداء بسيف بن ذي يزن ومرورا بالأئمة الزيديين وليس انتهاء بالحوثيين، ولكن لا يشعرون! بموجب هذه القاعدة فإن ثوار 26 سبتمبر عملاء وخونة لأنهم استعانوا بالجيش المصري للقضاء على الإمامة، وتصبح مقولة القوميين واليسار عن امتزاج الدم اليمني بالدم المصري في 1962م سارية المفعول لليوم، ومن حق أي شخص أن يتفاخر بامتزاج الدم اليمني بالدم السعودي في 2015م! وبيت حميد الدين وكل من قاتل معهم من الملكيين يصبحون عملاء وخونة لأنهم استعانوا بالقوات السعودية في حربهم على الجمهوريين، وها هو الحوثي يقتفي أثر أجداده من الأئمة ويسير على نهجهم ولم يستعن بإيران وحسب، بل تحول إلى ذراعها العسكري في اليمن وبالتالي تسري عليه القاعدة كغيره، وصالح يستحق لقب أبو العملاء لأنه استعان بيهود ونصارى لقتل مواطنين بطائرات بدون طيار، وهكذا. فليس الرئيس هادي وحزب الإصلاح ومن يؤيدون عاصفة الحزم في شمال اليمن وجنوبه وحدهم العملاء والخونة بناء على هذه القاعدة، ولا داعي إذن للمزايدة باسم الوطنية وتخوين الخصوم، ولو أن المسيح عاش إلى هذا الزمن لخاطب اليمنيين قائلا "من كان منكم بلا عمالة فليرمي نفسه بحجر"! التدخل الخارجي يجب أن ينظر له من زاوية الأهداف والمقاصد التي يكون من أجلها، فإن كانت أهدافه نبيلة ويحقق مصالح الغالبية من الشعب فهو تدخل محمود، وإلا يصبح تدخلا سلبيا يجب أن يدان ويصطف الجميع ضده. الحوثي يرى مؤيدي الحرب السعودية عليه عملاء وخونة وفي نفس الوقت يؤيد حرب إيران على غالبية الشعب اليمني ويقبل بانتهاك طهران للمياه الإقليمية والأجواء اليمنية، وينظر للتدخلات الإيرانية بأنها في خدمة الشعب اليمني ومساعداتهم، وليس من حق الآخرين أن ينظروا للتدخل السعودي بأنه إنقاذ لليمن واليمنيين، ويتساءل عن علاقة السعودية بصراع اليمنيين فيما بينهم ولماذا لا تتركهم يتفقون بأنفسهم، ولن يجيب على تساؤلات الطرف الآخر عن علاقة إيران بالصراع اليمني مع السعودية، ولم لا تتركهم يتفقون بأنفسهم طالما أنهم جيران وإخوة ولماذا تحشر طهران نفسها في صراع بين جيران وأولاد عم "يسدوا بينهم البين"؟ يريد الحوثي استباحة دماء وأعراض وأموال مخالفيه من اليمنيينوإيران تدعمه بالمال والسلاح والإعلام، ويعيب على المتضررين الاستعانة بجارهم المسلم لإنقاذهم من حرب الإبادة التي يشنها عليهم أو حتى دعمهم للدفاع عن أنفسهم! يجيز لنفسه الاستعانة بالفرس ويحرم على الآخرين الاستعانة بالعرب، ويريد من المواطنين أن يتركوه يقتلهم ويفجر بيوتهم ويشرد نساءهم وأطفالهم ويصادر ممتلكاتهم الخاصة ويطرد من يشاء منهم من الوظيفة العامة ويحكمهم بالقوة، وإياهم أن يعترضوا أو يقاوموا وإلا فهم عملاء وتكفيريين ودواعش يجب أن تستباح دماؤهم وأموالهم! منطق عجيب جدا ولغة إقصاء مخيفة تؤسس لشريعة غاب، وجماعة تثبت أنها لا تؤمن بالآخر إطلاقا ولا تعترف له بحق من الحقوق ولسان حالها "لا أريكم إلا ما أرى"! نقيم علاقات دبلوماسية مع طهران وإلا فنحن عملاء للغرب ومتآمرين على الإسلام والمسلمين، ولو كان غالبية الشعب اليمني لا يؤيد إقامة علاقة معها طالما أنها ستأتي على حساب دول الخليج، ومصلحتنا مع الخليج وليس مع إيران، ويتحدث باسم الشعب ويهرب من الاحتكام إليه، فهل سيقبل مثلا إجراء استفتاء شعبي عن رأي الشعب في إقامة علاقة دبلوماسية مع إيران؟ إذا كان يؤمن بالخيار الديمقراطي وحق الشعب في اتخاذ قراره وتقرير مصيره فليتم استفتاء شعبي حر وشفاف بإشراف الأممالمتحدة، وإذا صوتت الأغلبية لصالح إقامة علاقة مع إيران فعلى الحكومة اليمنية أن تشرع فورا في إقامتها بل وقطع العلاقة مع دول الجوار، وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء ضد إقامتها ينزل عند رأي الأغلبية ويقبل بالنتيجة ويحترم إرادة الشعب طالما يقول إن اليمنيين هم أصحاب القرار. الحوثي لا يؤمن بالانتخابات ولن يحتكم يوما لصناديق الاقتراع، فقط يريد تنفيذ مشروعه وفرض أمر واقع بقوة السلاح، ويتعامل مع اليمنيين بمنطق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عندما قال "من ليس معنا فهو ضدنا"، وكما تساءل أمريكيون قبل سنوات: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ نجد اليوم قيادات حوثية تطرح نفس السؤال بطريقة مختلفة وتتساءل: لماذا يرفضون التعامل معنا، ألسنا يمنيين؟ جماعة الحوثي مطالبة بمراجعة مسيرتها ودراسة أخطائها والاعتراف بحقوق الآخرين قبل المطالبة بحقوقها إذا كانت تنشد التعايش فعلا، وإلا ستدفع اليمن إلى الهاوية وستكون الضحية الأولى، فلا تغرها قوة السلاح وعليها دراسة الواقع حتى تستطيع التعامل معه، وما المانع أن توكل الجماعة لمنظمة أجنبية متخصصة ومهنية ومحايدة لإجراء استطلاع رأي بين اليمنيين لمعرفة نظرة الآخرين تجاهها، وعلى ضوء الاستطلاع تتخذ القرارات الصحيحة بما يخدمها أولا ويجنب البلاد والعباد الدمار والحرب ثانيا. الدول المتقدمة تبني على استطلاعات الرأي خططاً وقرارات واستراتيجيات، ولنفترض جدلا أن هناك من غرر على جماعة الحوثي وأنهم بحاجة لمعرفة رأي الشارع اليمني ليعرفوا التعامل معهم، حتى يستطيعوا الوصول إلى الحقيقة ويغيروا من طريقتهم في التعامل مع الآخرين، وهذه مجموعة مقترحة من الأسئلة نتمنى أن يتضمنها أي استطلاع رأي قادم لجماعة الحوثي لتبني عليه خطواتها وتحركاتها وتدرس الأسباب، وهي: - هل ما حدث في 21 سبتمبر 2014م ثورة شعبية أم انقلاب مسلح؟ - هل جماعة الحوثي صادقة في حربها على أمريكا وإسرائيل؟ - هل تقبل أن يحكمك الحوثي بالقوة؟ - هل أنت مع إقامة علاقة مع إيران؟ - هل تؤيد قطع العلاقات مع دول الخليج؟ - هل أنت راضٍ عن سيطرة الحوثيين على أجهزة الدولة، وبقاء مليشياتهم في المؤسسات الرسمية والمدن؟ - هل تؤيد الحرب القائمة في عدن ولحج وتعز ومأرب؟ - أيهما أفضل، سقوط صواريخ إسكود على العاصمة صنعاء، أم النظر إلى وجوه أعضاء اللجنة الثورية العليا؟ - من تصدق، أحمد عسيري وإلا حسن زيد؟ - يعود الرئيس هادي ليحكمنا وأمرنا لله وإلا يحكمنا إمام؟ وغيرها من الأسئلة يجب أن تطرحها جماعة الحوثي على الجمهور ما لم ستظل تحرث في بحر، وستتبخر كل معاركها القائمة في الهواء وستخرج منها خاسرة بلا شك، فلا يأمن مكر الشعوب الثائرة إلا الحمقى. _______________________ * رئيس تحرير صحيفة الناس