هل حان الوقت أن يُحّكم اليمنيون، بكل شرائحهم وفئاتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وبالذات النخب السياسية الفاعلة في المجتمع، عقولهم قبل أسلحتهم، وأن يستفيدوا من دروس ما جرى ويجري في وطنهم من تطورات دراماتيكية وأحداث مأساوية غاية في الخطورة ما كان لها أن تحدث لولا التهور والإصرار على إلغاء الآخر وإدعاء امتلاك الحقيقة، ومحاولات الاستحواذ على كل شيء، والتصرفات الصبيانية التي تفتقد لأدنى مستوى من الشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية..؟؟؟ وهل حان الوقت أن يعترفوا بالأخطاء التي ارتكبوها في حق الوطن والشعب، وأن يعودوا إلى صوابهم ويلجأوا إلى لغة الحوار بدلاً عن لغة الرصاص والقتل، ويخوضون حواراً جاداً ومتكافئاً لا غالب فيه ولا مغلوب.. بعيداً عن الزهو بنشوة الانتصار أو الشعور بانكسار الهزيمة.. مع الإدراك بأنه لا يوجد منتصر أو مهزوم في ما جرى سوى أن الوطن كان هو الخاسر الأكبر..؟ وهل يمكن أن يتوصلوا من خلال توفر القناعات الصادقة والنوايا الحسنة بعيداً عن المكايدات والاحتكاكات والتمترس وراء المواقف المتشنجة وأحابيل المراوغة السياسية التي لا أخلاق لها، إلى مشروع وطني عام يتفق عليه الجميع لإنقاذ اليمن من المآل الكارثي الذي وصلت إليه، وانتشالها من مستنقع الدم، ومنع اندلاع حرب طائفية مدمرة..؟ وقبل كل ذلك، يجب أولاً أن يقتنع الجميع بأنهم كانوا هم السبب في وصول الأمور إلى حالة المواجهات المسلحة والحرب الطاحنة، وبأنهم وحدهم بيدهم المحافظة على ما تبقى من كيانهم الوطني أو الانزلاق بالبلاد نحو الانهيار الكامل، وأن يقتنعوا أيضاً أن الوطن لا غنى عنه لأي شخص منهم مهما كان كبيراً أو صغيراً، وأن يبتعدوا عن تحميل الآخرين مسؤولية اخفاقاتهم واستمرار تناحرهم واحترابهم وتدمير مقدرات وطنهم، ويجب أن يتحلى الجميع بالشجاعة في تشخيص الواقع والأسباب والمسببات التي أدت إلى ما هم عليه اليوم من تناحر وانقسام وفرز مناطقي وطائفي مخيف وغير مسبوق، وأن يلجأوا إلى مبدأ النقد والنقد الذاتي وتقييم الأخطاء والممارسات السلبية التي أدت إلى هذه النتائج الكارثية، وأن يتخلصوا من فجور الخصومة ويتعاملوا بصدق وصفاء ودون تشنج وبعيداً عن نزعة التسلط والهيمنة والتهديدات التي ظلت مسيطرة على أجواء الحوارات السابقة والتي يأمل الجميع أن تتجاوزها الحوارات المأمولة حتى لا يفاجأ الجميع بحدوث ما هو أسوأ. إن المسؤولية التاريخية والوطنية تحتم على كل أطراف الصراع في اليمن أن يعملوا بكل الصدق والإخلاص على تهيئة المناخات المناسبة والأرضية الصلبة لإجراء مصالحة وطنيه شاملة لا تستثني أحداً، والاتفاق على وضع برنامج وطني شامل يضم كل الرؤى والتوجهات الصادقة، مهما اختلفت أو تباينت، بما من شأنه إنقاذ اليمن، وبالتالي البدء بعملية إعادة البناء وترتيب البيت من الداخل، دون مراوغة أو تهاون، لأنه لا يمكن أن نبني وطناً متماسكاً وننتشله من الوضع المأساوي الذي وصل إليه إلاّ إذا تعززت الثقة بين الجميع وتعاونوا بصدق في تحمل مسؤولياتهم الدينية والوطنية والأخلاقية تجاه شعبهم ووطنهم، وسلّم الجميع بأن أخطاءً وإخفاقات كثيرة مورست بقصد أو بدون قصد، وتخلصوا من وساوس إبليس الرجيم الذي غرس الشك لدى الجميع في بعضهم بعضا، وظل يعيث في النفوس فساداً، ويعيق كل جهد وطني صادق من شأنه تحقيق مشاركة حقيقية وشريفة في تحمل المسؤولية، غير مدركين بأنه في حال استمر التخاذل والتنصل فسنكون نحن اليمنيون الخاسرين وحينها لن ينفع الندم بعد وقوع الكارثة وارتكاب الخطأ وفوات الوقت، كما أننا لن نستطيع أن نبني وطناً سليماً معافى ومزدهراً ولن نحقق هدفاً من الأهداف السامية التي يطمح إليها اليمنيون إذا لم نُسلم بحق الآخرين في المشاركة وبناء الوطن، وقبلنا ببعضنا البعض، وجسدنا مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية في القول والعمل، وأنه في حال تجاوزنا كل الإحباطات والعراقيل التي نضعها في طريق المسار الوطني الصحيح فإن ذلك يعتبر نقطة انطلاق حقيقية، وعلامة صحة تؤكد قدرتنا على تجاوز الحالة الراهنة وتحقيق تحولٍ حقيقي نحو الأفضل، فذلك هو المقياس لصدق توجه الجميع لإنقاذ الوطن وانتشاله من المستنقع الدموي الذي أصبح آسناً بالأحقاد والكراهية والثارات وروح الانتقام الذي أراد البعض أن يظل في وحله، بالإضافة إلى أهمية التعامل بشفافية عالية وبروح ديمقراطية تؤمن بالتنوع واحترام الرأي والرأي الآخر، بعيداً عن الفوضى والانحراف عن مسار العمل الوطني السليم، وفرض إرادة القوة والهيمنة على الآخرين، وتحطيم ما هو قائم، والاقتناع بأن الديمقراطية لا تعني الفوضى والتخريب وإنما تعني الحوار البناء واحترام إرادة الناس وقناعاتهم واستيعاب كل التوجهات لما فيه خدمة الوطن، والمساعدة على خلق ظروف أفضل ترسخ روح الإنتماء الوطني، وتشعر المواطن في نهاية المشوار بأن له كياناً قوياً وفاعلاً وأنه يعيش في مجتمع تسوده قيم التسامح والتعايش، وأن لهذا المواطن دوراً ومكانة في بناء الوطن، وأن له حقوقاً وعليه واجبات يحددها الدستور وينظمها القانون ولا يقوى أحد على إلغاء تلك الواجبات أو انتزاع الحقوق منه إلا بقدر ما يمارسه الفرد من أخطاء في حق وطنه وشعبه تحت أي قناع كان، فقاطع الطريق مثلاً ومثير الفوضى، ومهدد أمن المجتمع لا حقوق لهم في ظل القانون في أي مجتمع كان. نقلا عن "الرياض" السعودية