* كثرت الاقتراحات والرؤى والتفسيرات التي تعمل كلها من أجل إيجاد نقطة ضوء تمنح اليمنيين فرصة للخروج من هذا النفق المظلم الذي وضعنا فيه من دون إرادتنا الحرة. إنما الذي نعيشه نتيجة لأهواء خاصة، أنانية فئوية، يحركها مزاج العصابة؛ الذي اختصر الشعب في الطائفة، والوطن في الكهف. لذلك نحن نتألم، والوطن مكبلٌ يتوجع جرّاء الممارسات التي تعوقه عن المضي نحو المستقبل الذي يُفترض أن يكون سعيداً. *ولو استعرضناها لاكتشفنا أن معظمها لا ينسجم مع تطلعات اليمنيين، ولا أحلامهم، ولا مع تاريخهم. كانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أقرب هذه المقترحات لما حدث من تجاذبات سياسية أثناء الثورة الشعبية السلمية إذ تعاطى معها اليمنيون من أجل الخروج من المأزق السياسي الثقافي، والاقتصادي الاجتماعي، على قاعدة السلامة للجميع، والنهضة بالوطن، ولأنها وفرت الحد الأدنى من التوافق الذي يفترض أنه تضمن القواعد السياسية الأساسية التي تمكن اليمنيون من تجاوز خلافاتهم وما قد يحدث بسببها من صراع عنيف. إلا أن الحوثي المخلوع وما أصبحنا نطلق عليه عصابة الحوثيفاشي تقاسما الأدوار، فأحدهما وقع على هذه المبادرة والآخر اعترض وأعلن عدم اعترافه بها. وهذه المنهجية مكنت هذه العصابة من التهيئة للانقلاب على كل الأوضاع بغية أعادة عقارب الساعة إلى الخلف. وهذا ما حدث وبالرغم من عدم اعتراف الحوثيفاشيون بالمبادرة الخليجية فقد نالوا فرص كبيرة مكنتهم من الولوج إلى الحياة السياسية بدءٍ من مؤتمر الحوار وما تلاه من عمليات سياسية على المستوى الرسمي والشعبي، بل أن هذه الفرص كانت أكبر من طموحاتهم ومن حجمهم. ومع هذا فقد كان وجودهم في السلطة كالمتسللين يريدون السيطرة على كل شيء عن بعد من دون تحمل أي مسؤولية. *وقد جاءت القرارات الأممية معبرة عن الواقع السياسي غير السوي والمرتبك محاولة هذه القرارات معالجة الوضع القائم والوصول إلى الحد الأدنى من توفر أسباب السلم، والأمن الاجتماعيين؛ توافقاً مع المبادرة الخليجية ومن أجل توفير الضمانات التي تمنع حدوث صراع بين اليمنيين وهذا ما لم يتأتى، ما أدى إلى صدور قرار مجلس الأمن 2216 الذي تضمن في فقراته جميعا كلما يحفظ للدولة والسلطة الشرعية العودة لمباشرة مهامها بوصفها الضامن الحقيقي على الأرض لحياة مستقرة يستطيع الجميع فيها التعبير عن إبداعاته المختلفة التنافسية من أجل السلم والتنمية، والخروج من حالة العنف والصراع إلى حالة أفضل يتجلى فيها النمو الاقتصادي والثقة الاجتماعية بين جميع الأطراف والشرائح ، وإحداث عملية سياسية توافقية المنتصر فيها على كل الأهواء والطموحات غير المشروعة، فقط الوطن. *منذ عام واليمن تحترق بنيران الحرب و لم يرضخ الانقلابيون لا للإرادة الوطنية ، و لا للإرادة الإقليمية أو الدولية و حينما يشرعون بالتعامل السياسي مع هذه المحاور الإقليمية ، و الدولية فإنهم يحرصون إظهار أنفسهم في موقع أصحاب المظلومية وأنهم يحملون للوطن ، و العالم السلام ، و لا يدركون أن ممارساتهم على الأرض تفضح طروحاتهم ، و خدعهم السياسية. و حينما بادر بعض الوسطاء لاختراق سياسي تفاوضي بين قيادة التحالف ، و الحوثيفاشيين لم يتأخر أفراد هذه العصابة بالمسارعة إلى هذه المفاوضات الجانبية بهدف تحييد التحالف ، و قيادته عن الأزمة العسكرية السياسية في اليمن ، و قد كسبت هذه العصابة بعض الوقت ما مكنها من التقاط أنفاسها وتغذية جبهاتها الخاوية في الحرب بغية استئناف مرحلة جديدة من القتل ، و الدمار في اليمن. و رغم مراحل التشاور الثلاث في جنيف ، و الكويت وما طرح فيها من مقترحات ، و رؤى إلا أنها لم تفلح في إعادة عصابة التمرد إلى جادة الصواب. ذلك يرجع إلى أن للانقلابيين أهداف من هذه السلوكيات بتحقيق فرص لاستعادة زمام المبادرة على أرض المعركة مع المقاومة فضلاً عن عدم إيمانهم بجدوى هذه المشاورات ما لم تشرعن انقلابهم ، خاصة أن مفاوضات جانبية معهم و أطراف دولية أطمعتهم في الوصول إلى ما يريدوا من شرعنة انقلابهم ، و تثبيت أقدامهم في السلطة ، ولو بالحد الأدنى كي يُحصنوا من المسائلة ، و العقاب على ارتكابهم جرائم القتل ، و تدمير البلد. *ومن ضمن هذه المقترحات المتداولة أبرز ما نشير إليه وهو أحدث اقتراح ما قدمه الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر إذ تضمن مقترحه الذي وجهه برسالة إلى أمير الكويت صراحة ومن دون أي مواربة تثبيت سلطة الأمر الواقع وجعلها صاحبة السيادة ، و الشرعية كما ذهب إليه بل أن معظم مقترحه يُستقى من خطاب الإعلان الدستوري لعصابة الحوثيفاشي الانقلابية ولم نجد ضمن المقترحات ، و الرؤى المقدمة إلى مشاورات الكويت ما يتوافق مع المرجعيات المتعارف عليها ، و هي المبادرة الخليجية ، و آليتها التنفيذية ، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني ، و قرارات مجلس الأمن الدولي ، و بالأخص قرار 2216 عدا ما يقدمه وفد الشرعية من مقترحات تُظهر حرصه على إعادة السلم ، و الأمن الاجتماعيين و السياسي إلى البلد . وكما أشير دائماً في كتاباتي المختلفة إلى أن لين المبعوث الأممي مع عصابة الانقلاب أطمعهم أكثر إلى مزيد من الضغط على وفد الشرعية كي يحققوا مآربهم. وأثناء المشاورات لم يحمل أعضاء وفد الانقلابيين أي رؤى من شأنها أن تساعد الأطراف جميعها إلى تحقيق يمكن اليمنيون من الجلوس على طاولة المفاوضات في جو من الثقة يمنحه تجاوز كل الصعوبات ، و العراقيل و حلحلة كل العقد السياسية من أجل تلبية طموح اليمنيين في السلام. *إن ما قدمته الأممالمتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن كان يمكن له المساعدة في إيجاد قاعدة للتفاوض و الخروج بحل سياسي سلمي عبر تنفيذ ما تضمنه قرار 2216 ولو أن المقترح الأممي كان لا يتطابق إلى حد ما مع ذات القرار إلى أنه مثل الحد الأدنى للبدء في المشاورات كي تفضي في مضمونها إلى الالتزام بتنفيذ ما تضمنته المرجعيات المتفق عليها. ولكن ذلك لم يتسنى له النجاح أيضاً بسبب طموحات الانقلابيين بتحقيق أهدافهم ومغالطة المجتمع الدولي بغرض شرعنة جرائمهم في اليمن. *هذه المشاورات وغيرها من التي قد تعقد مستقبلاً لن يكتب لها النجاح إلا إذا توفرت الإرادة الدولية ، و الإقليمية بالتعامل مع الانقلابيين وفقاَ لما يقتضيه تنفيذ القرار 2216 من دون تردد أو التفكير بأن المجتمع الدولي يمكن له أن يحقق شيئاً أمام إصرار هذه العصابة . لذلك نقترح حلاً لهذه المعضلة : أولاً: إيجاد آلية لتنفيذ مضمون القرار 2216 تعتمد على البند السابع لميثاق الأممالمتحدة. ثانياً: بعد إنجاز المرحلة الأولى يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي بنزع السلاح من اليمن الثقيل ، و المتوسط ما عدا ما يخدم الجانب الأمني ؛ فاليمن ليس لها عداوات إقليمية أو دولية وبالتالي لا نحتاج إلى ترسنة السلاح المهول التي كونت على حساب التنمية ، و السلام في البلد. ثالثاً: تعقد اتفاقية دولية بين الدول دائمة العضوية ، و الدول الثمانية عشر تتضمن: أ – جمع السلاح من كل اليمنيين ، و من الدولة. ب – إعطاء اليمن مقابل ما سيتخلى عنه من السلاح ثمناً مناسباً تبدأ فيه الدولة مسار الإعمار ، و التنمية. ج – يدعو المجتمع الدولي إلى دعم التنمية في مجالاتها المختلفة التعليمية ، و الصحية ، و الاقتصادية ، و السياسية ، و الأمنية ، و الثقافية ، و رصد ميزانية لعشرين سنة تتخطى فيها اليمن حالة التخلف ، و الصراع إلى مجتمع التنمية ، و السلام. د – تراقب الأطراف السياسية دولياً في موضوع اقتناء أو شراء السلاح. ه – ينص في هذه الاتفاقية على تحويل اليمن إلى دولة محايدة سلمية يشجع فيها الاستثمار المحلي ، و الإقليمي ، و الدولي . و – أن تنص الاتفاقية صراحة بعدم النيل من سيادة اليمن ، و الوحدة الوطنية ، و يوجه تحرير أممي إلى الدول الداعمة لأي طرف في الجنوب أو في الشمال يسعى لفرض إرادته على الجميع أو لتقسيم اليمن. ز – يعلن المجتمع الدولي التزامه الأخلاقي مادياً ، و معنوياً بدعم اليمن ومنع أي أطراف خارجية من النيل من سيادته على أراضيه في البر ، و البحر ، و الجو. ح – تنص الاتفاقية على دخول اليمنيين للحياة السياسية وفقاً لقواعد الديمقراطية وحرية الرأي ، و التعبير ، و التعددية ، و الحفاظ على التنوع الفكري ، و السياسي ، و غيره. رابعاً: لابد أن يكون لمكونات المجتمع اليمني السياسية ، و الاجتماعية ، و الثقافية ، و الاقتصادية رأي فيما يحدث وممارسة الضغط على الطرف الانقلابي كونه الذي لم يبدي أي نوايا حسنة للدخول إلى العملية السياسية السلمية عبر مشاورات الكويت وما قبلها وما قد يتلوها بغرض تنبيهه إلى أن صبر المجتمع لن يطول وعليه فإن الخيارات أمام عصابة الانقلاب محددة بين البدء في عملية سلمية تفضي إلى استعادة الدولة ، و السلطة الشرعية مهامها السيادية في الوطن أو أن تختار عصابة التمرد كما هو حادث الحرب و تتحمل المسؤولية التاريخية عما قد يحدث لليمن من مشكلات مستقبلية كالتقسيم ، و زيادة الفقر وتعميق الشرخ في المجتمع و تدمير أخلاقيات السلام ، و التسامح ، و التعايش . لن نستطيع تجاوز كل ما يحدث الآن إلا بإرادة وطنية للمقاومة ، و إرادة إقليمية ، و دولية أكيدةبمساعدة اليمنيين ، و جرهم نحو السلام بتطبيق صريح لقرار 2216.