الحلقة الرابعة قبل أن يغادر (صبري) لأداء مهمته التي كلف بها ذهب إلى بعض أصدقائه و من يعتبرهم أساتذته في المقاومة ليودعهم و يوصيهم بالبحث عن (عم عبده) و يهمس بآذانهم أين يمكن أن يجدوه فهو يعتقد أنه في الجبل وأنه ضحية سوء فهم أو سوء تفسير بسبب الجو المشحون بالتوتر والتوجس . زار صديقه عمار وسليمان و العم هائل و عبد الملك و محسن الغشم و عبد العقبي كان صبري يقول للمقاوم(عبد العقبي) يا عم (عبده ) أنت ممن استمد منهم قوتي بعد الله ... كان (العقبي) قادما من مديرية (عتمة ) في محافظة ذمار جاء إلى الجبل كغيره من رجال الجيش الوطني الذين نظروا بأن الجبل نقطة مكثفة لليمن و الجمهورية . يقول القائد( خالد) هناك قصة مثيرة عن قدوم( العقبي ) فقد أرسل ولديه إلى الجبل في بداية المقاومة و أثناء صد الهجمات المتتابعة على الجبل سقط أول شهيد من أفراد الجيش الوطني و هو الشهيد (عبده السويدي ) من (عتمه) وأثناء تشيع جنازته و نقل جثمانه إلى مسقط رأسه ذهب معها ابني (العقبي) و هو ما أغضب والدهم واعتبر ذلك تفريطا بالجهاد . قال أحد أبنائه نحن استأذنا في المشاركة بدفن الشهيد وسنعود يا أبى . و لم يتأخر( العقبي) كثيرا ليعود هذه المرة بصحبة ولديه إلى الجبل وكلف بقيادة الدبابة . كان قائد دبابة ماهر و بشجاعة استثنائية يقول القائد (خالد ) احيانا كان الأفراد يجبرون على الانسحاب تحت كثافة النيران المهولة و أحيانا نأمر نحن بالتراجع لكن (العقبي ) وامثاله الذي اطلق عليهم مؤخرا ( صخور الجبل ) ويعود لهم الفضل في انقاذ الجبل في اللحظات الحرجة لا يعرفون كلمة تراجع . في أحدى المرات كان الهجوم فوق الوصف استشهد الكثير بمافيهم الشهيد البطل (محسن الغشم ) وجرح اخرون منهم القائد (منصور) قائد الجبل حينها انسحب الأفراد من الموقع تحت كثافة نيران جارفة وبقى ( العقبي) يضرب . بمدفعيتها وزميله يضرب بالرشاش وابنه يسوق الدبابة انسحب زميله من فوق الدبابة مع المنسحبين وبقى ( العقبي) يصد الهجوم بشكل أسطوري و يضرب بمدفع الدبابه و يصعد ليضرب بالرشاش المثبت فوق الدبابة ثم يعود ويضرب بمدفعها وهكذا يتحرك صعودا وهبوطا وبأعصاب باردة و ثبات عجيب بين نيران مصبوبة من كل مكان تشيب الصغير وتذهل الكبير! واستطاع أن يفشل الهجوم الذي كان يمكن أن يغير المعادلة ... لقد كان صمودا في اللحظة الحرجة كان الشهيد ( محسن) الذي استشهد بنفس المعركة يتحدث دائما عن السيطرة على اللحظة الحرجة في أي هجوم و أن أي هجوم مهما كان لا يستمر وهو ينكسر لو تم امتصاص الاندفاعات الاولى وسيطر المدافعون على اللحظة الحرجة عند النهاية و هذه يصنعها في الغالب أفراد لا يعرفون الذهول . عندما ودع( العقبي) الشاب( صبري) قبل المعركة قال له يا(صبري) سأرحل إلى الله و أنا مطمئن على الجبل واطمئناني على الجبل يعني اطمئنان على اليمن لقد مكثت في الجبل ما يكفي لأرحل إلى الله و أنا مسرور ومطمئن بك و أمثالك و هم هنا كثيرون . وكانت وصيته لاولاده موتوا مرفوعي الرأس يقول القائد (خالد) و بين مئات القذائف التي استهدفت الدبابة والجبل و أثناء تكبير الجبل بالنصر سقطت قذيفة على دبابة (العقبي ) ليسقط شهيدا وكأنه اختار لحظة الشهادة بنفسه و بدقة بعد أن اطمأن و شاهد فرارهم بعينه واندحار الهجوم . وبقى أبطال اللحظة الحرجة أو (صخور الجبل) يقودون المسيرة في كل لحظة وكل موقع يقول القائد( منصور) عن المعركة المفصلية التي سبقت هذه المعركة بشهر وحدثت في 13 شعبان قبل الماضي في بداية المقاومة: إن الفضل يعود بعد الله للشهيد سليم المشرقي . و الشهيد عبدالله محمد عبد العزيز في انقاذ الجبل من السقوط حينها الذي كان يعني سقوط المدينة و مثل العقبي استشهد( سليم) و (عبد العزيز) نهاية المعركة بعد أن حققا النصر وانقذا الموقف.. ( سليم ) من المحويت و(عبد العزيز) هو شخصية اجتماعية وشيخ من (مشرعة وحدنان) بتعز يتجاوز الخمسين من عمره لكنه شعلة من نشاط قبل أيام من استشهاده كان حزينا لأنه أراد أن يبدأ المقاومة في مشرعة وحدنان لأهمية موقعها على المدينة و لتخفيف الضغط على مقاومتها غير أن قيادة المقاومة أخبرته بالتريث فلم يحن الوقت بعد ... وحتى يحين الوقت ذهب إلى الجبل فمثله لا ينتظر . فقد كان عائدا من معارك عمران والجوف بصحبة صانعي المجد أمثال ( محمد الصهيبي) أول شهداء مقاومة تعز الذي كان عبد العزيز يتحدث عنه بإعجاب شديد فهو رفيقه في مأرب والجوف وعمران يقول القائد( راشد) في ليلة استشهاد الأستاذ (عبدالله عبدالعزيز) رزق بمولود وعندما جاء الخبر إلى زوجته التفتت إلى المولود وهي تقول لقد ولد عبد الله الليلة! ثم أخرجت (الشال) الذي يتعمم به الشهيد بالغالب و أعطته لولدها البالغ من العمر 13 عاما و هي تقول له انت بدل ابيك و ألبسته الآلي ليستقبل العزاء و يلقي كلمة هزت الجموع.. عن والده و إكمال المشوار . يقول القائد( يوسف) لم يكمل المشوار ابن الشهيد عبد الله وحده و إنما أكمل المشوار نساء و رجال مشرعه و حدنان و صبر و مازالت قرى تعز وحاراتها تكمل المشوار و مازال أبطال اللحظات الحرجة يتوالدون في كل يوم و في كل موقع ويضيف القائد( عبد الكريم) معلقا: كلما غاب ثائر تنبت الأرض الف ثائر 8 عندما عاد صبري من مهمته اتجه إلى بيت (عم عبده) فوجده هناك فرح عم عبده بصبري و أعد له عشاء سأله صبري _ أين كنت ؟ _ أنا هنا --اين ذهبت ؟ و من الذي أخذك ؟ -- خلينا أعملك عشى -- لا مش كل مرة تتهرب أشتي أعرف أين كنت و من هم حتى لا أشك هل تشتينا أشك ؟ توقف( العم عبده ) عن تقليب الفاصوليا و هو يقول عادي كنت ضيف عند أصحابك -- هل أذوك؟ _ لا أبدا _ طيب منهم أصحابي ؟ _ أصحاب سعيد أخذونا لا عنده و ثلاث وساعات و تركونا _ والله كنت أشك بسعيد هذا التعبان . _ لا سعيد مش تعبان هو على حق أنا يعجبنا سعيد و قلتوا لهم احبسونا أنا لن أقدم ولن أوخر و بعدين أنا محبوس محبوس منذ أربعين سنة لكن جاء القائد و اعتذروا لي و الله أن( سعيد) يعجبنا أنتم في حرب ياصبري . -- والله إنك عجيب يا عم عبده . بعد العشاء لاحظ( صبري) صور عبد الله عبد الوهاب الفضول و نفس صورة المرأة والطفل الذي رسمها في الجبل _ صورة من هذه _ صورة الفضول ما تعرفوش ؟ _ هذه صورة الفضول تمام و أنت تحب أغاني أيوب طارش التي هي أشعار الفضول لكن هذه الصورة المرأة و الطفل من هي أمانة ؟ متجاهلا السؤال التقط ( عم عبده ) سكينا صغيرة من جيبه و أخذ ينقش شوكة في رجله اليسرى و هو يقول هذه شوكة بنت ( .... ) اتعبتنا عندما رآه يحاول نزع الشوكة بأسنانه قال له لحظة لحظة عم عبده شانقش لك لكنه أخذ يعارك الشوكة بأسنانه متجاهلا كلام صبري بالمساعده حتى نزعها . صبري: ليش ياعم عبده متشتيناش أساعدك الله المستعان؟ _ شوف يا ابني شانصحك إذا شوكت شوكة انزعها بيدك أو بأسنانك طالما و أنت تستطيع و لا تطلب من أحد ينقش لك لأنك لو سلمت رجلك لواحد ينقش لك ... الشوكة شتكتسر برجلك و بعد( من عمله بيده الله يزيده ) ؟ يعني أنت تسا عد الناس وتخدمهم و ما تشتيش أحدا يخدمك يعني متكبر . --أعوذ بالله من الكبر بس قبل ما تخدم الناس اخدم نفسك الذي ما يعرفش يساعد نفسه لا يعرف يساعد الناس و الذي ما يخدمش نفسه لا يستطيع خدمة الناس . --و الله إننا استمتع بكلامك أنت كبير عم عبده . _أنا فرح بك و بأصحابك يا صبري ...ثم فتح شنطته الحديد و أخرج صرة فتحها و أخرج منها حبيبات بيضاء و أعطاها صبري . _ إيش هذا ؟ _ هذا لبان( شحري) مر بس مليح . أمضيا وقتا ممتعا كصديقين قريبين رغم فارق السن فصبري لا يتعدى عمره العشرين و عم عبده في عقده السبعين لكنه كمن وجد في( صبري) شبابه بل هو أخبره ذات يوم بأن وصول المقاومة أعاد لي الأمل أما أنت فقد لملمت لي جراحي و وضعت عليها بلسما ؟؟ جهز مكان النوم أخرج الطراحة المخبى و غطى بها (صبري) ثم أخذ مصحفا قديما من (الرف) و ذهب يقرأ كعادته قبل النوم لاحظ صبري قدم المصحف فقال: يا عم عبده هذا المصحف قديم بكرة باجزع لك مصحفا جديدا _ لا أنا ما أعرف إلا هذا المصحف هذا المصحف صاحبي من زمااان و سيبقى معي حتى الموت ولا أعرف ( أتحزب) إلا به --كيف( تتحزب ) يعني ترجع حزبي ههههه _ أتحزب أقرا؟... مو يقولوا عندكم؟ ( اتحزب تعني في قرى تعز (اتلوا) عندما غفى( صبري) أنهى عم عبده القراءة و اقترب من صبري وغطى جسمه كأب أو أم تريد طفلها أن ينام بعمق لم يمض وقت حتى بدأت أصوات المدافع والصواريخ تتساقط على الجبل و بعدها بدأت أصوات اشتباكات و عندما زادت الاشتباكات نهض صبري الذي كان يحسبه عبده نائما نهض ليأخذ سلاحه قال له العم عبده : نم يا (صبري) مش( زامك) و لا (نوبتك) و بعدين قلت عندك إجازة الليلة صبري : عم عبده عندما يهاجمنا الأعداء تنتهي حكايات الإجازات.. إحنا مش موظفين هنا !! و يخرج . _ الله معك يقول عم عبده و يخرج معه إلى خارج البيت ثم عاد وهو يتمتم و يردد بعض كلمات (صبري ) عند خروجه بإعجاب . ..(.عندما يهاجمنا الأعداء تنتهي حكاية الإجازة )..(..نحن مش موظفين ) ..أيوه أنتم مش موظفين مش موظفين و يقترب من المرآة المعلقة بجانب الفانوس ليرى صورته يحدق فيها وتجاعيد الزمن مليا ثم يتحدث مع نفسه : أيوه ياعبده هذول مش موظفين هذولا أبطال أنا حميسهم و فداء لترابهم أين كانوا ومن أين خرجوا ؟ الله... وا عبده عشت و شفت ما يسرك . ...اليأس خيانة و عبده و مازال هنا يحدث صورته في المرآة المعلقة على الحائط لم يستطع النوم فخرج خارج البيت يشاهد المعركة المهولة والغير مسبوقة ينتظر نتيجة المعركة وعودة (صبري ) على احر من الجمر