من المعروف أن المفاوضات السياسية تأخذ منحنيات عدة وتكون حتميتها هي الفاصل في سرعة البت في القضايا العالقة بين أطراف التفاوض.. ومن يتابع جلسات المحادثات المباشرة بين الأطراف اليمنية في الكويت يستعيد أهمية نجاح المفاوضات حينما يكون الأطراف على دراية تامة بتلك الحتمية. فلماذا يصر الحوثيون وعلي عبدالله صالح على التعنت وخلق العراقيل في عدم إنجاح مؤتمر الكويت؟ فالترابط التفاوضي لدى صالح والحوثيين ترابط مفكك في لحمته وفي أجزائه، إذ لا يوجد توصل بين الهدف والنتيجة، ما يجعل التعنت واضحا، والمداومة على إفشال كل خطوات التفاوض يشعر المتابع أن فريق صالح يؤمل بتحقيق حلم استعادة السلطة كاملة أو مجزّأة من خلال أن يكون شريكا في السلطة (وهو نفس هدف الحوثيين). هذا الحلم هو عقدة أوديب فبرغم أن صالح تيقن بأنه ارتكب الإثم وفقع عينيه وسار في الصحراء لا يلوي على شيء أراد محو كل هذه الأحداث ليعود إلى اللحظة التاريخية التي سبقت الحلم وأسست لمجده والوصول إلى سدة الحكم. هذه العقدة الملازمة لصالح أثبتتها الأحداث بدءا من قيام الثورة في اليمن وانتقال الحكم مع أخذ ضمانات بأن لا يمس هو ورجاله، وبقائه رئيسا لحزبه ونجاته من تفجير والعناية الفائقة التي وجدها أثناء علاجه وعودته للبلاد مظفرا... كل تلك الأحداث أغرته بأن حلم العودة للسلطة ممكنا، ومن الممكن نسيان كل ما اقترفه بحق اليمن والشعب. لهذا نجد أن صالح متعلق بالقشة التي يحلم أن تطفو به وتدفعه لاسترجاع مفاتيح اللعبة التي كان يديرها باقتدار، فخلال سنوات طويلة لعب صالح بكل الحبال وضرب القوى والأطياف الشعبية بعضها ببعض واستخدم بعضها للابتزاز.. فعل كل شيء ليبقى في السلطة، فلماذا لا يفعل كل شيء من أجل العودة إليها. ولهذا لن تنجح المفاوضات في الكويت مادامت هناك أطماع لدى صالح بالعودة الكلية أو الجزئية، أما الحوثيون فلديهم مصلحة من ذلك التعنت، فبعد حروب طويلة مع صالح جاءت الفرصة للاستفادة من دهاء خصم الأمس، إذ إن إبقاء المفاوضات معلقة ومفككة يبقي سقفهم التفاوضي عاليا للدخول كطرف رئيسي في إدارة شؤون البلاد. ولو تنبهت الحكومة اليمنية المدعومة من دول التحالف بأنهم هم الأقوى على أرض الواقع تصبح فرص نجاح عملية التفاوض من خلال تجفيف كل الأحلام المعشعشة في ذهنية صالح والحوثيين معا.