يشي “الامتناع″ الروسي عن التصويت في مجلس الأمن بشأن القرارات حول اليمن، بدلالة تؤكد على تحوّل دراماتيكيّ في التطورات التي تطال مسرح العمليات السياسية والعسكريّة والذي أفضى فيما بعد إلى الانتقال إلى (مرحلة الرفض واللجوء الى التعطيل)، يوم الأربعاء الماضي وليس هذا التطور مفاجئًا وليس مستغربًا فقد سبقه تصريح القيادة الروسيّة بأنها في حالة تنسيق ومشاورات دائمة مع الإيرانيين بشأن الأوضاع في اليمن، مشمولة بإعلان علي عبد الله صالح بامتلاكه مخزون من الأسلحة تكفي قواته 17 سنة قادمة لمواصلة القتال. ومن ثَمَّ فإن هذا التطور يفتح بوابة البحث والتحليل على سيلٍ من الأسئلة على الصعيد الداخلي والإقليميّ يتقدمها سؤال رئيس واستراتيجيّ يمكننا إيجازه في العبارة التالية: (ماذا لو دخلت روسيا على خط الحرب في اليمن؟) وِفْقَ نموذج الحرب السورية. ولا يخفى على القاصي والداني والنخبويّ والشعبويّ أن (الروس والأمريكان) في حالة (توافق وتشاطر، وتقاسم) لمشكلات الشرق الأوسط وما يطفو من خلافات على السطح بين الطرفين ما هو إلا سيناريو ساقط تمَّتْ صناعته في (أروقة أجهزة الاستخبارات الغربيّة)، وفي حدّه الأدنى ليس إلا (خلافات طفيفة) على (تفاصيل) تنفيذ (المؤامرة الغربيّة) والتي يكمن الشيطان في أدق تفاصيلها بعدما اخترقت سهامها الجسد العربيّ المنهك ب(الصراعات الطائفية المصطنعة)، و(الخلافات المذهبية المصّنَّعة) من أعالي جبال الشام (المقاوم والممانع) حتى العظم، ونزولا إلى (اليمن اللاسعيد)، والغارق في (أناشيد الإثم والبراءة)، وصولا إلى (ليبيا المذبوحة حتى العظم) بأطماع العسكر، والنَّعرات القبائلية غير أنّ دخول روسيا على خط الأزمة اليمنية عسكريًا (وِفْقَ النموذج السوريّ) سوف تكون له عواقب وخيمة، ونتائج عديدة ومتسارعة وديناميكيّة خاصةً إذا ما أفلح الجمهوريون خلف راية دونالد ترامب الوصول إلى البيت الأبيض ومن أهم هذه النتائج: أولا – على الصعيد الإقليميّ سيتوافق (الأمريكان والروس) بدرجة عالية على (استحلاب مقدرات دول المنطقة) تحت العديد من الذرائع لتتحوّل اليمن مع هذه الحالة من حائط صدّ استراتيجيّ وسدًا منيعًا وقضية أمن قوميّ عربيّ لتصبِح بين عشيةٍ وضحاها خنجرًا داميًا في خاصرة الخليج الآمن منذ أن وضعت الحرب العراقية الإيرانيّة أوزارها وساهم عقلاء المنطقة في إخماد نيرانها. ثانيًا – سوف تقع دول المنطقة بين طرفي نزاع؛ (مطرقة وسندان)، أو طرفي (كماشة) وهاجس مناهضة الوجود الروسيّ والطموحات الإيرانيّة. والطامّة الكبرى سوف تحدث بتعاون (الروس والأمريكان والإيرانيين وإسرائيل) في السيطرة على المنطقة واستنزاف مواردها وهذا الوضع ستنعكس آثاره السلبية على العديد من الأصعدة أهمها توقف مشاريع التنمية المستدامة وصرف الجهود لدرء خطر الولوج الروسيّ إلى مياه الخليج، ومنع تمدد الثورة الإسلاميّة – كما يدعون – إلى الأقطار العربيّة المجاورة. ثالثًا – مع تزايد النفوذ الروسيّ في اليمن – وِفْقَ تفاهمات أمريكيّة – وإطلالته على مضيق باب المندب من فوق جبال (اليمن اللاسعيد)، وبالتنسيق مع القوة الإيرانية المرابطة والرابضة على طول ضفة الخليج سيجعل من الخليج العربيّ (بحيرةً مغلقةً) باستثناء حركة التجارة العالمية المحكومة بتوافقات واتفاقات دولّية لا يمكن القفز عليها من أي طرف داخل معادلة القوة الدوليّة. رابعًا – في ظل حالة الإرباك التي تعيشها أطراف الصراع اليمني (سياسيًا وعسكريًا وعجز جميع الأطراف عن تحقيق نصر خاطف وتراكم خسائرها إلى ما يزيد عن1000 مليار دولار خلال سنة ونصف فقط مما قد يدفع أطراف الحرب إلى استدعاء (الأجنبي)؛ الروسيّ أو الأمريكيّ لإنجاز نصر خاطف سوف يخرج اليمن من دائرة الدولة إلى (دوائر قبلية وحزبيّة وطائفية، وإثنية متناطحة ومتناحرة) لفترة قد يطول أمدها وتتمدد وتنتشر توابعها فيما حولها. خامسًا – سوف تتلاشى أحلام اليقظة لدى بعض الأطراف اليمنيّة الطامحة والطامعة في (تقسيم اليمن)، أو (فَدْرَلَتَه)، أو اختطافه وتحويله إلى مجرد حديقة خلفية ترزح تحت خط الفقر لصالح إحدى الدول الإقليميّة بعد أن تتحول اليمن إلى (صومال جديدة) أو (دارفور مكلومة) وسقوطها في مستنقع حرب أهلية طويلة الأمد. سادسًا – ربما مع استباب الأمن لجماعة أنصار الله الحوثي وعلي عبد الله صالح يصحو لديهم (حلم استعادة المناطق اليمنيّة واقتطاعها من خريطة الدول المجاورة تحت نشوة الاستقواء بالقوات الروسية الرابضة هناك وفق تفاهمات أمريكيّة روسيّة من تحت الطاولة وخاصةً إذا ما نجح الجمهوريون تحت راية (ترامب) الوصول إلى سُدّة البيت الأبيض. وانطلاقًا مما سبق فعلى جميع أطراف الصراع اليمنيّ التراجع خطوة إلى الوراء والعودة إلى مشاورات الكويت أو الانصياع لبعض المبادرات السابقة المقدّمة من بعض دول الجوار لا على قواعد القرارات الدوليّة أو الإقليميّة وإنما على قاعدة الاتفاق على مفهوم (الوطن) والتصافح والاستماع لصوت العقل، وإن اختلفوا في التفاصيل وإدراك أنّ القوى الاستعمارية (الدولية والإقليمية) مازالت عينها على اليمن، واليقين بأنّ الفرصة مازالت سانحة لإنقاذ اليمن مما يُحضَّر له في أروقة الاستخبارات، وغرف مراكز الدراسات (الشرقية، والغربية)!! وقبيل ذلك يتوجّب اتخاذ خطوتين قبيل أن تمضي المؤامرة الغربيّة في طريقها: أمَّا الخطوة الأولى: فتتمثل بمسارعة قوات التحالف العربيّ بنفْض يديها من (الحرب اليمنيّة) والخروج من المستنقع قُبيل أن تتقوَّض أركان البيت اليمنيّ على (داخليه، قبل ساكنيه)، وينقلب السحر على الساحر؛ بعيد أن اقتنعت عملانيًا بأن (الحرب ليست نزهة) وقد يكون الانتصار الحقيقي لقوات التحالف بإعلان الانسحاب وهي وجهة نظر قالت بها “إلينا سوبونينا” الخبيرة بمعهد الدراسات الإستراتيجية في موسكو مؤكدةً أنه” كان من الجدير التفكير مليًا والتمهل قبل اتخاذ قرار الحرب في اليمن فكهذا قرار كان يحتاج إلى دراسة أكبر لأن نتائجه قد تنعكس سلبًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط خصوصا إن طالت هذه الحرب”. أمَّا الخطوة الثانية: فترتكز على قيام أطراف المبادرة الخليجية بشأن اليمن ب”الضغط على جميع أطراف العملية السياسية في اليمن” للعودة إلى مشاورات الكويت ومحاولة إبرام (اتفاقيّة للمصالحة بين سائر مكونات المشهد السياسي اليمنيّ) على غِرار (الاتفاق الوطني مارس 1970 غير المكتوب) حيث نجحت المملكة العربيّة السعوديّة آنذاك سريعًا في ضبط البوصلة بعد استشعارها خطورة توغل وانتشار الماركسية على حدودها فضغطت على أنصارها “الملكيين” للتصالح مع “الجمهوريين”. واليوم تملك المملكة كل الوسائل والآليات لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء مرة أخرى بالضغط على شركائها من (جماعة الرئيس هادي، وأنصار الشرعيّة) لإبداء مرونة في القبول بالسلام، والتصالح من أجل إنهاء التشابك، وبناء دولة المؤسسات، وإعادة إعمار اليمن. ودعم ما يترتب على هذه الخطوة من تفاهمات بين جميع أطراف الأزمة حول عدة قضايا من أهمها: (1) التوافق على تنصيب حكومة جديدة تضم جميع أطياف الشعب اليمني وأحزابه. (2) عقد مؤتمر دولي للمانحين بهدف مساعدة الاقتصاد اليمني وتنفيذ مشاريع استثمارية. (3) تقديم اقتراح بإدخال (اليمن) ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحت أيّة صيغة. (4) المسارعة بإجراء انتخابات برلمانية، ورئاسية في أقرب وقت ممكن. (5) أن تتحول جماعة (أنصار الله) الحوثية إلى حزب سياسي يشارك في الحياة السياسية اليمنية بطرق شرعية وفي كافة المؤسسات بطريقة ديمقراطيّة عادلة خارج حسابات المحاصصة الطائفية أو المذهبيّة. وقبل ذلك كله أن تتفق جميع ألوان الطيف السياسيّ في اليمن على إعلان (الولاء والبراء) وفك الارتباط مع أيّة أطراف خارجية دوليّة أو إقليميّة. باحث بالمركز العربيّ للاستشارات والبحوث الإعلاميّة والإنسانيّة