لم يفصح عصر «الديجتال» بعد عن أعجب أطواره، بل قل: اختطافاته، إنما يعطينا «لمحات»، عما تخبئه تحولات الزمن وحقن «المورفين» العصرية الجوالة. خذ واحدة من «المعلوم» الرقمي كي نتوقع ما يخبئه الغيب لأطوار الديجتال وفنونه. بلقيس المغنية اليمنية، عقدت قرانها وتزوجت. وبلقيس ابنة المطرب اليمني أحمد فتحي الصداح الشهير بأغنيته «المهم أنت يا أحوم لا تصدق فتندم.. والحب أسمى من رماد الفلوس ومن كنوز الأرض وماس الشموس». ما علاقة هذه الرومانسيات الفتانة بعالم الرقم الخشن الجلمود «الإرهابي» المحارب للعواطف ولوعات الآهة؟ من الطبيعي أن تتزوج فتاة، وليس عليها جناح، سواء أكانت مغنية طرابة أو نواحة بكاءة، فالزواج ليس ابتكارًا رقميًا ولا وليدا ل«السيرفيرز» ولا للشبكات الحاسوبية التي تعد أنفاس الناس وتحصي أحلام المنامات. وكل، تقريبًا، من دب على الأرض، قد جعل الله لهم من أنفسهم أزواجًا، ليقضوا منهن وطرًا، وجعل لهم بنين وحفدة ورزقهم من الطيبات، وبلقيس ليست نفيًا. ما جعل هذه المناسبة مختلفة ولافتة و«مخيفة» أيضاً أن عصر الديجتال يفصح عن نواياه الهدامة، وأنيابه، فقد تسلل، هذا المختال المكار الخداع، إلى هذه المناسبة العائلية البهيجة ومد مخالبه وخطفها، وحولها من مشاعر وشجون وأفراح إلى مشروع «عجين رقمي» بل كان زفافًا هجينًا أيضًا بين الإبداع الرقمي وآلة توليد المال. يعني بلغة الواتس آب الرقمية «زفاف محدث» (updated wedding). وواضح أن الزفاف «المحدث» لم يعد للفرح تحديدًا أو للفرح وحده، ربما لجني مزيد من «رماد الفلوس» أيضًا، إذ هيمنت ثقافة التسويق والترويج، من ترتيب استقبال المدعوين، ومشية العروس وفستانها، وحتى الموسيقى المصاحبة. المخيف أنه في ثقافة الديجتال يجري الخلط بين الفرح الشخصي ومشروعات الأعمال، والخشية أن تستولي المشروعات على الأفراح فيتحول الإنسان إلى كائن آلي، روبوت، يخضع، حتى الأفراح والمشاعر لمقاييس الربح والخسارة والمصالح، والترويج، فيتحول قلب الإنسان إلى لوح بلاط، أو فولاذ لا نفس فيه ولا آهة. ويجري تسليع كل ما حولنا، ابتداء من نبضات القلب وشغاف المهجة وأوراد المساءات حتى تجلي الحلم في ضياء الصباح.