: ما الجديد في ميدان السبعين، لا جديد، إنها نفس الجموع التي تلتقي في هذه الساحة لتحشد ما لا يزيد عن مائتي ألف مناصر للمخلوع صالح، الجديد بعد سقوط صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 أن صالح عاد ليبسط نفوذه في هذا الميدان، وهناك شكوك في إمكانية إتمام السيطرة عليه في قادم الأيام. غابت صور الصَّماد الذي نُصِّبَ رئيسا للمجلس السياسي وغابت شعارات الحوثي، وغاب رموز الميلشيا وقادتها من منصة السبعين، وذلك يعني أن شريكي الانقلاب افترقا تكتيكيا واستراتيجياً إلى غير رجعة، وإن إمكانيات الاشتباك المسلح بينهما هي الخيار الوحيد المتاح في صنعاء. لكن ما القوة التي سيضفيها المخلوع صالح لإمكانيات المواجهة مع الحوثيين من خلال هذه المظاهرة، أعتقد لا شيء، لكنها من الناحية السياسية يمكن أن تسمح له بالبقاء في المزاد العلني الذي يديره التحالف العربي بمكر شديد، وأمله أن يكسب جزء ولو يسير من البيعة. بالأمس تلقى المخلوع صالح مساندة جوية من التحالف الذي استهدف تجمعات الحوثيين حول صنعاء، ودفعهم إلى التراجع عن منع أنصاره من المجيء إلى العاصمة، لكن هذا التدخل المكشوف عمَّقَ أكثر من شقة الخلاف مع شركائه الحوثيين في الانقلاب، وأدرجه في قائمة "مرتزقة العدوان"، حتى لو زايد اليوم وهاجم العدوان أو حاول إرسال رسائل من هذا القبيل كما جاء في خطاب أمين عام المؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا. هذه الحشود التي يفاخر فيها علي عبد الله صالح، لم تفعل أكثر من أنها رسخت دوره ودور حزبه كمعارضة يائسة في قلب سلطة انقلابية، وهذه المعارضة تبحث عن مساحة عادلة في وسائل الإعلام الرسمية، وتعارض تعديل المناهج، وتطالب بصرف المرتبات المتوقفة. هذا ما عكسه خطاب الزوكا، الذي ذكَّرنا بخطاب اللقاء المشترك يوم أن كان ذلك التكتل محاصراً بنفوذ الدولة القوية والباطشة للمخلوع صالح وكان حينها، يقاتل من أجل تنفيذ مطالب مماثلة. سينفض الجمع عن ميدان السبعين وستشرع سلطة الحوثيين في كنس كل تبعات التظاهرة المؤتمرية، وهذه المرة سيكون كنساً عنيفاً، لأن الحوثيين موجودون في قلب الدولة وسلطاتها وأجهزتها، وفعالية تأثيرهم الميداني ستستمر في التضييق على المخلوع صالح الذي يرقب من مخبئه مشاهد السبعين ويسمع بانتشاء صرخات مؤيديه وهم يهتفون باسمه. البعض سيقول إن هذا السياسي الماكر استطاع أن يبقى مؤثراً في قلب المشهد السياسي للبلاد رغم الثورة التي قامت ضده، ولهؤلاء أقول إن بشار الأسد لم يتوقف عن قتل السوريين حتى اليوم رغم نجاح الثورة في محاصرته في دمشق، ولكنه اليوم لم يعد سوى مجرد طرف مسلوب الإرادة وسط حلبة من المتصارعين الأقوياء الإقليميين والدوليين، الذين قضت انتهازية أن يبقى هذا المسخ العلوي على رأس سلطة منهارة في دمشق. صالح لا يعدو كونه اليوم أحد زعماء الحرب، لكن بالحد الأدنى من التأثير. صالح على مدى أكثر من ثلاثة عقود وهو يسرق أموال الوطن واليوم يسرق أدوات ثورة فبراير وشعاراتها ويعيد تأسيس المشهد على أساس من شرعية الساحات في وقت لم يعد للساحات أي تأثير بعد أن اشتعلت الجبهات بنيران الرصاص والمدافع والطائرات.