عكست مجموعة تقارير تضمنها إصدار بحثي حديث، الوضع المزري الذي عاشته الأقليات في اليمن عبر التاريخ، وفي الوقت الراهن، في ظل الحرب التي تشهدها البلاد منذ خمس سنوات. وتضمن كتاب "الأقليات في اليمن.. الواقع والتحديات"، الصادر عن مركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات، خمسة تقارير عن خمس أقليات أربع منها على أساس ديني وهي اليهودية والمسيحية والبهائية والإسماعيلية، والخامس عن أقلية المهمشين وهي الأقلية التي يتم معاملتها عنصريا في اليمن على أسس عرقية. واعتمد الكتاب على عدد من المصادر التاريخية سواء كانت كتب أو أبحاث علمية، كما تم الاستعانة بعدد من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية أو المحلية أو تلك المنظمات المعنية بالدفاع عن الأقليات أو تلك المطالبة بحقوقها، إضافة إلى العديد من المصادر الخاصة التي تم مقابلتها والتي تنتمي لتلك الفئات بوصفها متحدثة باسمها أو على دراية تامة بتفاصيلها. ويسعى الكتاب إلى إلقاء الضوء على وضع تلك الأقليات، بوصف هذا العمل جزءا أساسيا من مهام مركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات، وبحسب ما جاء في مقدمة الكتاب فإن المعلومة أول الطريق للوصول إلى معالجات دقيقة لإصلاح الأوضاع لاسيما حين يتعلق الأمر بحقوق الأقليات وحرياتها. وتشير المقدمة إلى أن هذا الكتاب جاء ليكون اللبنة الأولى التي تحدد توجه المركز الذي يسعى لخلق بيئة عمل مؤسسية تسعى لتحقيق أهدافها من خلال العمل المنظم وبأدوات منهجية واضحة، إيمانًا من المركز والقائمين عليه بأهمية حماية الأقليات في قوة المجتمع وإيمانا بأهمية التوثيق والاعتماد على المعلومة الصحيحة. وفيما أشار مؤلفا الكتاب أنه لا يمكن القول إنه يجمع كل التفاصيل عن أحوال الأقليات، إلا أنهما أكدا أنه يقدم المعلومات الأساسية عنها بدءا من التمهيد التاريخي ثم شرح عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وصولا إلى استعراض الانتهاكات الواقعة على تلك الأقليات لا سيما في الوقت الراهن، وهو ما يساعد على التخطيط سواء لأبحاث أخرى أكثر تعمقا، أو لتصميم برامج عملية إما لزيادة الوعي بحقوق تلك الأقليات وكيفية حمايتها، أو لدعم تلك الأقليات وتلافي الكثير من الانتهاكات الواقعة عليها وحمايتها، وهو الأمر الذي لن يحمي تلك الأقليات فحسب ولكنها بكل تأكيد سيساعد على إنشاء مجتمع منسجم يؤمن بالتعدد والتعاون من أجل التنمية والسلام في المستقبل. وبحسب الكتاب يحتوي اليمن أقليات دينية ومذهبية تبلغ نسبتها 0.5% من أجمالي عدد السكان، وقد بقيت إلى جانب المسلمين أقلية من اليهود ولكن مع كثرة الانتهاكات والتهجير الذي تعرضوا له على مدى السنوات تقلصت نسبتهم داخل المجتمع حتى كادت هذه الفئة من اليمنيين تتعرض للانقراض. إضافة إلى وجود الأقلية البهائية والتي يقدر عددها حالياَ بحدود 2000 بهائي ولكنها هي الأخرى تتعرض للمضايقات والانتهاكات المتكررة من قبل المليشيات الحوثية. إضافة إلى هذه الأقليات على أسس دينية، يذكر الكتاب إن هناك أقلية أخرى، لكنها تمثل الرقم الأكبر في نسبة السكان، وهي الأقلية التي تتعرض للتهميش والعنصرية المنظمة رسميا ومجتمعيا، وهي أقلية "المهمشين" أو كما يطلق عليهم "الأخدام" وهي لفظة سلبية تأخذ بعدا عنصريا تجاه هذه الفئة، وعلى الرغم من الاختلاف في التأصيل التاريخي لتواجد هذه الفئة التي تتميز بلونها الأسمر، فإن الكتابات التاريخية تؤكد على أنهم في اليمن منذ قرون، لكنهم يتعرضون لأقسى درجات التمييز والانتهاكات والحرمان في كل مستويات الحياة. ويبين الكتاب أن بعض الأقليات قد عاشت في هذا البلد آلاف السنوات، لكن المشكلة الأساسية هي في العلاقة بين الطبقة السياسية الحاكمة، ومعتقداتها الدينية، التي تحاول أن تفرضها وفق وجهة نظرها على غيرها من الأقليات، ومن ثم ينعكس كل ذلك على السلوك تجاه بقية فئات المجتمع. واستشهد الإصدار المخصص للأقليات في هذا الصدد باليهود اليمنيين، موضحًا أنهم تعرضوا على فترات مختلفة لعدد من الانتهاكات التي تصل إلى القتل والنفي والتهجير، وربما كان العصر الحديث هو الأقسى على الطائفة اليهودية، إذ تداخل العامل الخارجي بالداخلي، مما أدى في الأخير إلى هجرتهم أو تهجيرهم من اليمن إلى فلسطين، ومثل ذلك وقع على المسيحيين والإسماعيليين، ثم على البهائيين في الوقت الراهن. وبينت التقارير التي تضمنها الكتاب أيضا تعامل المجتمع بشكل عام مع المهمشين، حيث يتم وضعهم في آخر سلم درجات الطبقات الاجتماعية، نتيجة لانحدار الوعي المجتمعي، كما عكست تظافر العوامل بين الداخلي والخارجي، وبين السياسي والاجتماعي، وبين الديني والإيديولوجي، ولكنها في المجمل - بحسب الكتاب - تعمل على تعزيز روح التعصب والكراهية وإلغاء الآخر. وأكد الكتاب بالاعتماد على تقاريره الخمسة أن العنف ضد الأقليات قائم على بنية واحدة تقوم على كراهية المختلف مهما كان نوعه سواء على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي أو حتى جنسي، وهذا الأمر ينبغي التركيز عليه مستقبلا للنظر بشكل جاد في الحلول المستقبلية لاسيما حين يتعلق الأمر ببناء السالم والتخطيط لما بعد الحرب. وفي خاتمة الكتاب أوصى مؤلفاه بتكاتف الجميع من أجل إعادة بناء وعي الناس باتجاه مفهوم المواطنة الذي يتجاوز فيه الناس اللون والعرق والمعتقد، وينتمي الجميع إلى أرض واحدة يحكمهم قانون واحد ودستور واحد. جدير بالذكر إن الكتاب من تأليف الدكتور محمد المحفلي، وإيمان حميد، ترجمة ومراجعة لغوية، جيمس روت وإبراهيم حاميم، ويتوفر بنسخته الالكترونية والورقية، كما أنه متوفر باللغتين العربية والإنجليزية، وهو الإصدار الأول لمركز إنصاف للدفاع عن الحريات والأقليات في اليمن.