إن تكون فقير ومحتاج وماتلقى من يساعدك ويتعاون معك هذا بلا شك شعور صعب ومؤلم وقاسي، ولكن الأقسى والأصعب من ذلك هو إنك تعيش متعفف وصابر وماحد عارف أيش عندك حتى أقرب الناس لك، ويوم تفرح إن به شخص او جهة يساعدوك، تتفاجئ بأنهم يشرطوا بأن مساعدتهم ستكون على حساب جرح كرامتك، يشرطوا عليك إنك تننازل عن كبرياءك وتسمح لهم يصوروك ويصوروا أهلك وبيتك وانت بتبكي ومكسور.. يصوروك ليس من اجل ان يرسلوا الفيديو بصورة خاصة للداعم وفاعل الخير الذي اعطى الفلوس لكي يطمئن إن فلوسه وصلت للمحتاجين، ولكن بيصوروك تصوير إحترافي، يخضع لعملية مونتاج وإضافة مؤثرات عشان ينشروا في قناة فضائية ويشاهدوك الملايين، بدون حتى مايخفوا وجهك..!! هذا اللي بيحصل للأسف للكثير من #الأسر_التعيسة التي بيتم عرضها على شاشة #قناة_السعيدة في رمضان في #برنامج_تراحموا.. تفاصيل كثيرة بتحصل خلف الكواليس، أقل مايقال عنها أنها غير إنسانية وغير أخلاقية.. بيتم الإتفاق وبعدها يتم تحديد الموعد والتجهيز ويبدأ التصوير.. يجي المذيع يدق باب المنزل ويقل للمحتاج تسمح لنا ندخل نصور؟ المحتاج وقتها بيرد ب :نعم.. مع انه في الحقيقة قد وافق مسبقاً على انهم يدخلوا يصوروه ويصوروا بيته ويصوروا عياله وأفراد اسرته الذي قد تم جمعهم وهو مضطر، لانه عارف اذا ماوافق على التصوير والنشر وقتها لن يحصل على المساعدة.. وبالتالي المحتاج بيقبل ان يكون مادة إعلامية للبرنامج، مقابل الحصول على سلة غذائية ومبلغ مالي، إضافة إلى وعد غير مؤكد بأن يتم تقديم مساعدة أخرى له في حالة وجد من يتعاون معه.. عندما نشوف المحتاجين الذي بيظهروا في البرنامج بيبكوا، هم لا يبكون بسبب حاجتهم وفقرهم فقط، لان الفقر والوجع أصبح جزء من حياتهم اليومية، ولكن مابيبكيهم لحظتها هو وجع جديد، بيبكوا وداخلهم وجع وحسرة وقهر وبيندبوا حظهم والعجز والحاجة الذي خلتهم يوافقوا على صفقة تكون فيها #الكرامة_مقابل_الغذاء، صفقة عليهم فيها أن يقدموا كرامتهم ويتنازلوا عن تعففهم وكبريائهم، ويقبلوا بالتصوير ويشاهدهم الملايين، مقابل سلة غذائية ومبلغ مالي، سيعيشون بهذه المساعدة لمدة شهر، وينتهي الشهر ويعودوا لحالتهم الاولى لفقرهم وحاجتهم.. بيقبلوا بالتصوير وبعد عدة أيام يتم النشر على شاشة القناة، والمشهد الذي ظهروا فيه في البرنامج وشاهده الملايين بمن فيهم من أصدقاءهم وأقاربهم بيتحول بعدها إلى ألم وخيبة بعد ظهورهم.. فبدلاً من أن كان هناك من يتعاون معهم من جيرانهم وأقاربهم بين الحينة والأخرى، فبعد ظهورهم توقف ذلك التعاون، وذلك لأنهم في نظر جيرانهم وأقاربهم أصبحوا أغنياء وغير محتاجين، لانهم قد ظهورا على شاشة قناة السعيدة.. في حين أن المساعدة ليست بحجم التشهير، فما تم تقديمه لهم لم يعمل على إيجاد حل جذري لهم، والمساعدة ليس فيها أي تمكين إقتصادي عبر فتح مشروع صغير على الأقل يضمن لهم مصدر ثابت ومستمر، المساعدة مساعدة طارئة حالها كحال باقي المساعدات التي يقدمها الكثير من التجار وأهل الخير والمبادرات الشبابية لعشرات الالاف من المحتاجين بدون تصوير بدون تشهير.. بيوافقوا وهم مضطرين مقهورين مكسورين، وما اقسى الحاجة اللي تدفعك إلى القبول والموافقة بشروط المساعدة التي سيقدمها لك مجموعة من الانتهازيين الاستغلاليين.. ولو كان الخيار مفتوح وإختياري للمحتاجين الذين يتم مساعدتهم في #برنامج_تراحموا للموافقة او عدم الموافقة على التصوير والنشر، وهم في نفس الوقت ضامنين انهم سيحصلوا على المساعدات، وقتها وبلا شك سيختار الجميع عدم النشر.. وهنا سؤال يطرح نفسه للجميع وخاصة للمدافعين والمبررين والمرقعين للبرنامج: لو ان واحد من المحتاجين الذي تم تقديم المساعدة لهم طلب عدم النشر في التلفزيون، وطلب انه يكون التصوير فقط للتوثيق للداعم بصورة شخصية، هل سيتم تقديم المساعدة له؟! أكرموهم دون أن تجرحوا كرامتهم!