هناك حقيقة تغيب عن أذهان الكثير من الناس وهي أن الناس كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم معادن وفي المعادن تجد الألماس والنحاس والذهب وقد كان الفقيد الغالي المغفور له بإذن الله الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر رحمة الله تغشاه من ذلك المعدن النفيس من العظماء الذين يصنعون الفرحة الحياتية للناس والذين يشبهون الأنهار دائمة التدفق والجريان، بالخير والمحبة لكل الناس . كان فقيدنا الغالي الذي مثلما شكل رحيله خسارة للوطن أجمع فقد شكل رحيله بالنسبة لي أكبر خسارة في حياتي، فحين جاءني خبر رحيله أسودت الدنيا في عيني وأحسست بأنني تائه في صحراء موحشة بعد أن انهد الركن الذي كنت أستند عليه والجبل الذي كان يعصمني من كل خوف وهم وحزن . لقد حباه الله كاريزما نادرة وقبول عجيب عند الناس حتى عند الذين يختلفون معه ، فكانوا لا يردون له طلبا ولا يرفضون له وساطة ، يلبون له كل داعي ويسيرون خلفه في كل موطن ويكونون معه في كل قضية . لقد كان رحمه الله الزعيم القبلي البارز ورجل القبيلة والعرف واصلاح ذات البين حيث شارك في حل الكثير من القضايا والمشاكل والخلافات وبذل الكثير من الجهود الكبيرة في سبيل خدمة الناس والحفاظ على النسيج الاجتماعي، فهو رجل يدرك الأسلاف والأعراف والتعامل الحكيم في كل القضايا القبلية . لقد كان الفقيد شخصية وطنية حازت الإجماع الوطني، وساهمت بشكل فاعل في مختلف الأحداث الوطنية حيث عرف بانحيازه إلى الوطن ودوره الكبير في إسناد الدولة والجمهورية وضحى بالغالي والنفيس في سبيل الوطن .. رحل الفقيد رحمه الله وهو في عز شبابه ، في ال 46 من عمره ، لكنه رغم عمره القصير فقد أستطاع بشهادة الكثيرين أن يحدث هزات قوية وحراكا كبيرا في ملفات المشهد اليمني. كان من أبرز السياسيين والمشايخ الذين احدثوا حراكا سياسيا مؤثرا ، بدأها بعضويته في المؤتمر الشعبي العام وتأسيس مجلس التضامن الوطني وبعده حزب التضامن الوطني . لقد عرفته عن قرب فوجدته رحمة الله تغشاه يعيش هم وطنه حيثما حل أو ارتحل ويتابع كل ما يحدث في الداخل اليمني ويتفاعل معه ويتأثر به ، كانت تصله المئات من الرسائل، وكان دائم السؤال أيش الأخبار عن البلاد؟ يتواصل مهنئا في كل المناسبات الفرائحية ويتواصل معزيا بكل من فقد عزيزا لديه ويقف متضامنا مع كل من تعرض لظلم ويعمل على إنصافه . كما كان واسع الثقافة والإطلاع ، يتابع كل جديد ، يدرك الواقع بكل أبعاده ، وله صلات واسعة بكافة مشائخ القبائل والمثقفين ، يقدر الرجال ويثمن الجهود ويسخر وقته وجهده لخدمة الناس وحل مشاكلهم وقضاياهم فكان بحق رجل السياسة ورجل القبيلة ، المثقف الواعي ورائد العمل القبلي والاجتماعي والسياسي في مجتمعه . كان صاحب روح تنبض بالمرح والحيوية والشباب وفي كل مجلس تجده يتصدره ويثري ما فيه من نقاش بطرح راقي ورؤية ثاقبة ووعي يدل على عمق معرفته ودقة تحليلاته وصواب موقفه ونضوج فهمه . كل من عرفه أحبه وكل من عايشه تعلق قلبه به ، أكتسب من أبيه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله الكثير من الصفات الحميدة والخصال التي تفرد بها فكان بحق امتدادا لسيرة النضال والتضحية في هذه الأسرة العريقة التي لها القدم الراسخة في خدمة المجتمع وحل قضايا الناس . لقد كان الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر بإجماع كل من عرفه شخصية يمنية ثرية جمعت المجد من كل أطرافه وقدمت الكثير منذ شبابه حتى وفاته، ولذا فلا غرابة أن يعم الحزن كافة أرجاء اليمن بعد نشر خبر وفاته وان تتداعى القبائل اليمنية إلى إرسال برقيات العزاء والمواساة وإقامة مجالس العزاء في اليمن وخارجه، كما لا أستغرب أن تخرج كل تلك الجموع الغفيرة في صنعاء لتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير فهو شخصية يمنية نالت الكثير من المحبة والقبول عند أنصاره والاحترام والتقدير عند خصومه . ستظل سيرة الفقيد الغالي الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر سيرة عطرة مسطرة بأحرف من نور في ذاكرة التاريخ اليمني وفي سجل العظماء الكبار وفي رحاب الخالدين فرحمة الله تغشاه أبد الدهر ما غرد طير أو طار وما تعاقب الليل والنهار . الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر رحل بجسده لكنه باقي بيننا بسيرته العطرة ونضاله الكبير وجهوده العظيمة ووفاء له ولنهجه سنظل على النهج الوطني الذي سار عليه الفقيد ما حيينا وسيظل حاضرا بيننا فهو قيم ومبادئ ونهج كتب الله له الخلود إلى الأبد .. في جعبتي الكثير عن الفقيد لكنني لن أستطع أن أواصل الآن فقد غلبتني العبرات وفاضت دمعي وأعتصر القلب حزنا على شيخنا الغالي الفقيد العظيم والإنسان النادر رحمة الله تغشاه ..