صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة في مؤتمر الحوار الوطني .. محاولة لفك اشتباك متوقع
تقرير مثير يبحث في ما وراء الفشل
نشر في المشهد اليمني يوم 18 - 05 - 2013

خلال الخمسين عاماً الماضية حقق الشعب اليمني ثورة في الشمال، وأخرى في الجنوب، ثم استقلال الجنوب وتوحيده، وأخيرا توحيد شطري البلاد عام 1990.. لكن النخب السياسية اليمنية فشلت في بناء الدولة..وقد انسحب هذا الفشل على الثورة وعلى الوحدة وعلى التنمية وعلى الأمن والاستقرار فأصبح اليمنيون فاشلين في كل هذه الأشياء.
ونحن نرى ونلمس مظاهر فشلنا في إنتاج الدولة ونتوهم أننا نعرف أسبابه..ومن مظاهر هذا الفشل الحراك السلمي المستمر في الجنوب منذ العام 2007 الذي أدان حرب 1994 إنطلاقا من نتائجها على الأرض، وليس من مقدماتها الشعاراتية والخطابية، وأثبت أنها حرب نجمت عن حضور أزمة الدولة وغياب منطق السياسة..ومن هذه الزاوية يجب النظر أيضا إلى حروب صعدة.
ومن مظاهر هذا الفشل أيضا الثورة الشبابية الشعبية، التي هي في توقيتها ومضمونها العام إمتداد للحراك وإن اختلفت عنه في الشكل والشعار..وهذا الاختلاف نجم عن الاختلاف بين خصوصيتين..خصوصية جنوبية عرفت النظام الذي يطبق قوانين الدولة بصرامة على الجميع في كل متر مربع من أراضيها، حتى وإن لم تكن دائما قوانين عادلة..وخصوصية شمالية عرفت دولة تسرف في إنتاج القوانين وتفتقر إلى النظام الذي يطبقها على الجميع..وهي بهذا المعنى ليست دولة، حتى وإن كانت كل قوانينها عادلة..فالقانون هو في المقام الأول سلسلة من الإجراءات النظامية المؤسسية، وليس مجرد مضمون.
وعندما عممت حرب 1994 حالة اللادولة على الجنوب كان من الطبيعي أن يكون الشعب اليمني هناك سباقا إلى استشعار هذه الحالة وإلى رفضها من خلال الحراك..لكن النخب السياسية في الشمال لم تستطع أن تقرأ خصوصية المشهد الجنوبي بعقل سياسي، وذهبت تتحدث بخطاب أخلاقي عن واحدية معاناة الشعب في الشمال والجنوب، ولم تستطع أن تتفهم رد الفعل المبكر في الجنوب إلا في بعده الحقوقي..بينما تأثرت في قراءتها للبعد السياسي بالخطاب الرسمي لسلطة الحرب الذي ظل يتملق عاطفة الوحدة عند جماهير الشمال بطريقة ديماغوجية بدا معها وكأنه يريد أن يعاقب الجنوب على تمسكه بيمنيته وتعلقه بالوحدة..ولهذا السبب استطاعت بعض نخب الجنوب التي أقصتها الحرب أن توظف البعد الحقوقي للقضية الجنوبية لصالح مشروع إنفصالي ديماغوجي يضع الشمال كله في سلة واحدة ويضعف من عدالة القضية الجنوبية، ويعجز عن رؤية طاقتها الثورية القادرة على التغيير وتحويل الهزيمة العسكرية لحرب 1994 إلى إنتصار سياسي لليمن الموحد وللشعب اليمني الواحد.
ورغم هذا كله وصلت شظايا الحراك وأصداء إنفجاراته إلى الشمال، واستدعت نقاشات موسعة على مستوى تحالف أحزاب اللقاء المشترك، ومنظمات المجتمع المدني، والصحافة..وشيئا فشيئا تراكم وعي عام يؤمن بعدالة القضية الجنوبية، ويرى أن مصدر الخطر الذي يتهدد الوحدة اليمنية يكمن في طبيعة النظام السياسي المنتج للحروب والأزمات، وليس في الحراك السلمي..وكان هذا من بين أهم دواعي الثورة الشبابية الشعبية التي اصطفت تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"..وبفضل الثورة أتيحت لليمنيين فرصة تاريخية لبناء يمن جديد من خلال الحوار الوطني..وهو عنوان هذه الندوة..لكن هناك أربع قراءات خاطئة للثورة أسفرت عن أربعة مواقف خاطئة من الحوار.
1 قراءة لا ترى الأثر الكبير للقضية الجنوبية وحراكها السلمي في هذه الثورة، وتقول إنها ثورة شمالية لا تعني الجنوب..وبناء على هذه القراءة لا تريد الحوار، إلا إذا كان بين شمال وجنوب..وهي في هذا ليست على خطأ بالمطلق..لكنها أيضا ليست على صواب.
2 قراءة تنكر الدوافع الوطنية الموضوعية للثورة وترى فيها مؤامرة خارجية، وفي أحسن الأحوال تقليدا أعمى للغير..وأحيانا تسميها أزمة مفتعلة للإنقلاب على الشرعية..وصاحب هذه القراءة طرف في الحوار القادم..لكن إذا ذهب إلى الحوار وهو متمسك بهذا التفسير للثورة فمن المشكوك فيه أن يكون طرفا منتجا لحلول.
3 قراءة تعتقد أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها، وأن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلتفت على الثورة وحولتها إلى تسوية سياسية..ومعظم القائلين بهذا هم من فئة الشباب الذي أشعل فتيل الثورة وسار في لهيبها بحثا عن حلول سريعة وجذرية..وهذه الفئة تحكم على الحوار المرتقب من خلال ما أنجزته الفترة الإنتقالية وما لم تنجزه حتى الآن..وهي فئة واسعة وهلامية ليس لها إطار تنظيمي وسياسي جامع..وهي بسبب هلاميتها تصنع الثورة بحماس بطولي، ثم تعجز عن المشاركة الفاعلة في إدارة نتائجها سياسيا.
4 قراءة منشغلة أيديولوجيا بهوية الدولة، وتعجز عن إدراك أن جوهر المشكلة اليمنية هو في غياب الدولة ذاتها..وتقف خلف هذه القراءة فئة ناصرت الثورة، ولكن ليس بخطاب سياسي، وإنما بخطاب أيديولوجي تعبوي يرى الظلم ويعجز عن تفسير الأوضاع التي أنتجته..وتشكك هذه الفئة بشرعية الحوار الوطني مالم يتخذها المتحاورون مرجعية لهم..وهي بهذا تضع نفسها فوق خلافات واختلافات أطراف الحوار..مع أن مشهد الثورة الشبابية الشعبية شطرها إلى قسمين أحدهما صلى مع الثورة في الستين والآخر صلى مع الثورة المضادة في السبعين..وهذا بحد ذاته يثبت أنها غارقة في حسابات المصالح وصراعاتها، مثلها مثل غيرها من فئات المجتمع..وليس من حقها أن تطلب من مؤتمر الحوار الوطني أن يعتمدها مرجعية له.
تأسيساً على ما تقدم تحرص هذه الورقة على التأكيد بأن الثورة الشبابية الشعبية أنجزت النصف الأول من مهمتها ووضعت اليمنيين على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها الأبرز أنه: لا يمكن لليمن بعد اليوم أن يحكم بالطريقة التي كان يحكم بها من قبل، وعلى اليمنيين إذا أرادوا الخروج من مربعات الفشل أن يتوافقوا على بناء دولة تقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها..وهذه الدولة هي الأهم بين أجندة مؤتمر الحوار الوطني..ومعنى ذلك أن المؤتمر هو امتداد سياسي للثورة، وليس التفافا عليها..وعلى أطراف الحوار أن تحقق من خلال المؤتمر أهداف الثورة، لا أهدافها الخاصة..وأول هذه الأهداف هو بناء الدولة التي يبدو أنها ستكون موضوع خلاف كبير داخل المؤتمر بين فريقين، أحدهما يريدها "دولة مدنية حديثة"..والآخر يرى في هذا المسمى تسويقا جديدا للعلمانية، ويؤكد على وجوب المرجعية الإسلامية للدولة بنصوص دستورية واضحة صريحة لا تحتمل اللبس..وتطمح هذه الورقة إلى فك الاشتباك بين هذين الفريقين..وأي نجاح يمكن أن تحققه يتوقف على صحة الفرضيات التالية:
1 إن جوهر الخلاف بين الفريقين ليس حول مرجعية الدولة، ولا حول مضامين القوانين المطبقة، وإنما حول الدولة ذاتها.
2 إن الدولة المدنية الحديثة مفهوم ملتبس عند الفريقين معا.
3 إن الفريقين يتوقفان عند مفهوم الدولة المدنية الحديثة ولا يقتربان من متغيراته العملية والإجرائية..ولهذا السبب يحضر الجدل الأيديولوجي المغلق والمنغلق، ويغيب الحوار السياسي المفتوح والمنفتح.
4 إن الفريقين يواجهان لأول مرة مسألة بناء الدولة كمشكلة جديدة عليهما لم يسبق لهما التعامل معها من قبل.
5 إن جوهر الخلاف بين الفريقين حول الدولة المدنية الحديثة يتعلق بالمسائل الإجرائية أكثر من تعلقه بالمضامين والأفكار.
6 إن الدولة هي التنظيم السياسي للمجتمع، والأمر الجوهري الذي يحدد طبيعة الدولة هو الرهان الذي تقوم عليه التهدئة العامة في البلاد، ويؤسس لتوحيد حقيقي بين مختلف مكونات المجتمع وأفراده وفئاته.
7 إن الدولة في التاريخ الإسلامي ليست دولة مدنية، ولا هي دولة دينية، وإنما هي دولة مرافقة للدين الذي راهن عليه الاجتماع المدني لضمان التهدئة العامة والتوحيد العام في العصور الوسطى.
8 إن نص الدستور على المرجعية الإسلامية للدولة لا يجعل منها دولة دينية، كما أن عدم النص على هذه المرجعية لا يجعلها دولة علمانية.
9 إن تمترس كل فريق وراء مواقفه دليل على قوة البعد الأيديولوجي الذي يوسع مساحة الخلاف، وضعف البعد المعرفي الذي لا يعرف التمترس.
فالأيديولوجيا، أياً كان مصدرها، تطابق بين نفسها وبين الحقيقة..ولا يوجد دليل واحد على صحتها سوى استعداد أتباعها للقتال من أجلها..أما المعرفة فتعترف بأن صوابها يحتمل الخطأ..والنقاش والحوار العقلاني هو الوسيلة الوحيدة لتصويب أي خطأ معرفي..وعلى هذا الأساس سنطرح الأسئلة التالية:
1 ما هي الدولة الإسلامية التي يريدها الإسلاميون ويعملون من أجل تحقيقها؟
2 هل النص الدستوري على المرجعية الإسلامية للدولة، وتطبيق قوانين الشريعة، هو غاية مايريده الإسلاميون في مسألة الدولة؟ أم أنه وسيلة لغايات غير معلنة؟
3 هل تطبيق قوانين الشريعة يضمن صلاح الدولة، أم أن صلاح الدولة هو الذي يضمن تطبيق القوانين أي كان مصدرها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة سننظر في ثلاثة إستخدامات شائعة للدولة لا يوجد إلى جانبها إستخدام رابع مغاير لأي منها.
الاسخدام الأول: ينظر إلى الدولة من حيث موقعها في الخريطة الثقافية الدينية للمدنيات العالمية بصرف النظر عن نموذج الحكم، وطبيعة الفئة الحاكمة، ونوع القوانين المطبقة، وأصول السكان..وبهذا المعنى فرنسا والمملكة المتحدة دولتان مسيحيتان، وتركيا والسعودية وإيران دول إسلامية، وإسرائيل دولة يهودية، واليابان دولة بوذية..وباستثناء السعودية وإيران فكل هذه الدول علمانية..والمعروف أن الإسلاميين لا يريدون دولة إسلامية طبقا لهذا الاستخدام الذي يتسع ليشمل دولة علمانية مثل تركيا..كما لا يوجد بين مكوناتهم في اليمن من يقول إنه يتبنى النموذج السعودي أو الإيراني للدولة، رغم أن هذين النموذجين يطبقان قوانين الشريعة الإسلامية..وهذا يعني أن جوهر الخلاف بين الإسلاميين وبين الفريق الآخر ليس تطبيق قوانين الشريعة وإنما شيء آخر يجب الكشف عنه وتحديده بدقة.
الاستخدام الثاني: ينظر إلى الدولة من حيث هي نظام في الحكم، ضمن دائرة مفهوم واحد للسياسة والسياسي، أي المفهوم الذي لا يقبل بالتعدد..والمقصود هنا سيطرة الحزب السياسي الذي يستمد برنامجه الاجتماعي من الإسلام أو يجعل الإسلام مرجعا وحيدا في القيم العامة التي يستلهمها..وهذا إستخدام شائع كما في دولة حزب البعث في سوريا الأسد وعراق صدام، ودولة الحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي سابقا...الخ.. والمعروف أن الإسلاميين لا يصرحون بأنهم يريدون دولة إسلامية طبقا لهذا الاستخدام..ولا الفريق الآخر يقبل اليوم بدولة من هذا القبيل سواء كانت دولة الحزب الإسلامي أو دولة الحزب العلماني، وسواء طبقت قوانين الشريعة الإسلامية أو غيرها..وهذا مؤشر آخر على أن جوهر الخلاف بين الفريقين ليس حول مضامين القوانين المطبقة كما يوحي بذلك خطاب الإسلاميين.
الاستخدام الثالث: ينظر إلى الدولة من حيث نمطها المشيد وبنيتها الداخلية..أي الدولة التي تمارس السلطة بطريقة معينة تختلف كليا عن النماذج المعروفة في العالم المعاصر، سواء فيما يتعلق بإنتاج السلطة العليا أو توزيعها، أو تكوين السلطة التشريعية، أو تطبيق القوانين..وفي هذه الحالة يمكن القول بأن نموذج الدولة الإسلامية يختلف عن غيره من النماذج المعروفة بما يلي:
1 الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع المدني، بما في ذلك في الميدان السياسي.
2 إختيار الحاكم بواسطة البيعة المرتبطة بأهل الحل والعقد، وليس بواسطة الإنتخابات العامة.
3 خدمة الإيمان وإعداد المواطنين للآخرة.
4 رعاية المصالح البشرية الدنيوية من وجهة نظر المصالح الأخروية والأهداف الدينية.
5 تعميم الطابع الإسلامي، الثقافي والديني، على الدولة، أسوة بالمجتمع.
والملاحظ على هذا الاستخدام أن الشريعة الإسلامية فيه ليست مجرد قوانين يراد تطبيقها، وإنما هي عقيدة سياسية وبرنامج عملي يراد من كل الأطراف أن تقبل به، بحجة أن الشعب اليمني شعب مسلم..وإذا كانت الدولة طبقا لهذا الاستخدام هي الدولة التي يريدها الإسلاميون فمعنى ذلك أنهم لا يطمحون إلى المشاركة في الحكم وتداول السلطة سلميا مع غيرهم من الشركاء السياسيين، وإنما إلى إعادة بناء الدولة ذاتها والإطاحة بالتوازنات التي تمنعها من استيعاب عقيدتهم السياسية..وهذا توجه خطير إذا قالوا به صراحة فهو خطاب حرب..وإذا لم ينكروه صراحة سيظل سببا للتشكيك الدائم بنواياهم واتهامهم بعدم إحترام الديمقراطية أو التشجيع على التطرف والعنف.
لكن حتى لا نقع في التعميم، الذي هو الوجه الآخر للتعمية، يجب أن نميز داخل مكونات الإسلاميين بين تيارين يختلفان كثيرا فيما بينهما حول كيفية التجسيد السياسي لمبادئ الإسلام:
1 التيار الأول هو التيار الذي يطابق، على مستوى الدولة، بين مبادئ الإسلام وبين الديمقراطية.
2 التيار الثاني هو التيار الذي يرى أن الحاكمية لله وحده، ويرى في مفهوم السيادة الشعبية منازعة لسيادة الله في الحكم.
والإخوان المسلمون هم تيار المطابقة بين مبادئ الإسلام والديمقراطية..ونقطة الاتفاق العام بينهم وبين غيرهم من الإسلاميين، داخل حزب الإصلاح وخارجه، هي مبدأ تطبيق الشريعة الذي يرون فيه ضمانة لقيام سلطة صالحة مستقرة وتأسيس شرعية ثابتة تضمن الخروج من المأزق الراهن للسياسة في اليمن.
ونحن لا نستطيع أن نجاري هذا النوع من التفكير، غير السياسي، الذي يجعل من تطبيق قوانين الشريعة ضمانة لصلاح السلطة..والصحيح، في علم السياسة، أن صلاح السلطة هو الذي يضمن تطبيق القوانين أياً كان مصدرها..وصلاح السلطة الذي نقصده هو الصلاح السياسي والمؤسسي، وليس الصلاح الأخلاقي للقائمين عليها..ودليلنا على ذلك أن دستور الجمهورية اليمنية ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع..لكن هذا النص أنتج قوانين ولم ينتج سلطة صالحة كي تطبقها..وعلى الإسلاميين أن يقرأوا هذه المعادلة جيدا إذا أرادوا أن يكونوا شركاء إيجابيين في إخراج اليمن من المأزق الراهن للسياسة الناجم عن فشل النخب السياسية اليمنية في بناء الدولة، وليس عن عدم تطبيق قوانين الشريعة كما يعتقدون.
وإذا كان مبدأ تطبيق الشريعة هو نقطة الاتفاق العام بين الإخوان المسلمين وبقية الإسلاميين في التجمع اليمني للإصلاح وخارجه، فإن مطابقة الإخوان بين مبادئ الإسلام والديمقراطية تؤسس لنقطة إتفاق عام أخرى بينهم وبين مكونات الفريق الآخر التي تشكل مجتمعة مشروعا وطنيا منافسا للمشروع الذي يتبناه الإخوان المسلمون..وليس بين مكونات هذا الفريق من يرفض الشريعة الإسلامية، وإن كانت جميعها ترفض الأيديولوجية السلفية التي تطابق بين الشريعة كدين مقدس موحى به من الله، وبين الشريعة كفقه ناجم عن اجتهاد بشري تاريخي مشروط بزمانه ومكانه..والإخوان المسلمون لا يقولون بهذه المطابقة وإلا لتعذر عليهم منهجيا ومعرفيا أن يطابقوا بين مبادئ الإسلام والديمقراطية..وباستثناء الآراء المتطرفة للتيار السلفي داخل التجمع اليمني للإصلاح فإن الرأي الغالب اليوم داخل هذا الحزب هو للإخوان المسلمين الذين يلتقون مع اليساريين والقوميين في المنطلقات التي تؤكد على مدنية الدولة، وهي:
1 إن الدولة الإسلامية ليست دولة الله، ولكنها دولة المسلمين التي يجب أن تساوي بين مواطنيها في الدنيا على اختلاف حظهم من الإيمان والقبول عند الله في الآخرة..فالله يحاسب الناس في الآخرة على النوايا والسرائر، والدولة تحاسبهم في الدنيا على الظواهر.
2 إن السيادة الشعبية ليست مقولة أيديولوجية لنفي سيادة الله الشاملة على هذا الكون، ولكنها نظام إجرائي لتحصيل الإجماع في الظروف التي أتاحها العصر الحديث، والتغلب على الخلافات الناجمة عن تباين الأفراد والجماعات في تأويل النصوص.
3 إن الأغلبية الشعبية ليست مفهوما ثابتا وقابلا للإحتكار في واقع راكد، ولكنها مفهوم متحرك يغير اتجاهاته بشأن القضايا التي يثيرها دائما واقع متجدد.
4 إن حركة التقدم قائمة، في كل زمان ومكان، على المراهنة على إمكانية التوفيق بين العقل والنقل، بين الذات والآخر، بين الماضي والحاضر، وبين المعاصر والتراثي..وهي أيضا مرتبطة بالقدرة على بناء جسر متين بين الحضارة العالمية والثقافة المحلية.
5 إن احترام الخيار الديمقراطي من قبل كل الأطراف شرط ضروري لشراكة إيجابية في الحوار الوطني والتوافق العام من أجل بناء دولة لكل اليمنيين.
وإذا قدر لكل الأطراف في مؤتمر الحوار الوطني أن تلتقي حول هذه المنطلقات فإن النقاش داخل المؤتمر سينصرف إلى المسائل الإجرائية في بناء الدولة وإدارتها وسيبتعد إلى حد كبير عن الانشغال بالمفاهيم والقضايا الفكرية الشائكة..وفرص التوافق على المسائل الإجرائية كبيرة جدا مقارنة بالفرص التي يمكن أن يتيحها الحوار حول المسائل الفكرية التي تختلط فيها المعرفة بالأيديولوجيا وتحتاج إلى قدرات ذهنية عالية ليس فقط للتفريق بين ما هو معرفي وما هو أيديولوجي في الأفكار المطروحة، ولكن أيضا لفهم الحجج التي يقيمها هذا التفريق والقبول بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.