* المشهد اليمني زكريا الكمالي وكالة الأناضول: تُحلق الطائرات الأمريكية بدون طيار في الأجواء اليمنية بخفة لا متناهية منذ العام 2002، لكن السلاح "السري" للولايات المتحدة ترك بصمة سوداء في ذاكرة اليمنيين للعام 2013 حتى صار البعض يعتبر تلك الطائرات أنها بمثابة "الخاطف الحصري" للأرواح في اليمن. وتسببت الضربة الجوية الأخيرة في 12 ديسمبر/ كانون أول الجاري والتي استهدفت موكب زفاف في مديرية رداع بمحافظة البيضاء (والتي تبعد 100 كيلومتر عن العاصمة صنعاء)، مما أسقط 13 قتيلا وأكثر من 20 جريحا، في "غليان شعبي"، من طائرات كانت تكافح العناصر الخطرة من تنظيم القاعدة، وتحولت فيما بعد إلى "الطائرات العمياء" التي لا تُفرق بين مدني ومقاتل، حسب سكان محليين متضررين. وتضع الضربات الجوية الخاطئة السلطات اليمنية في موقف محرج حيث تبادر إلى تقديم الاعتذار لأهالي الضحايا، كما في حادثة موكب زفاف رادع، حيث قامت السلطات بتقديم (168 ألف دولار) لأقارب الضحايا، و101 بندقية كلاشينكوف، في عُرف قبلي يمني يعتبر "إقراراً بالخطأ". ورغم السخط الشعبي الذي تصنعه الضربات الجوية العمياء للطائرات المتسمة ب"الدقة" وتصويت البرلمان على قرار شكلي يطالب الحكومة بمنع تحليقها في الأجواء اليمنية، إلا أن كثيرًا من اليمنيين ما زالوا يرونها "الخيار المتاح" لتقليص نفوذ القاعدة في ظل عجز السلطات اليمنية عن معالجة الانفلات الامني بعدة مدن. ووفقاً لإحصائيات حقوقية دقيقة، حصلت عليها "الأناضول"، يحل العام 2013 في المرتبة الثانية بعد 2012، بعدد الضربات الجوية الامريكية على اليمن منذ بدايتها في 2002. وتقول الاحصاءات إن عدد الضربات التي شنتها الطائرات بدون طيار على اليمن خلال هذا العام (2013) بلغت 35 ضربة جوية، راح ضحيتها 97 عنصراً مفترضاً من القاعدة في الحد الأدني، و33 مدنياً، أغلبهم في محافظة البيضاء (وسط)، في حين بلغت عدد الضربات الجوية عام 2012 نحو 53 . وتقول منظمات بحثية وحقوقية يمنية مهتمة برصد هجمات الطائرات بدون طيار، إن اليمن باتت تتفوق على باكستان من حيث استخدامها في العامين الاخيرين، حيث بلغت هجمات 2012 و2013 فقط 67 ضربة، أسفرت عن مقتل 290 مقاتلاً، و69 مدنياً. وباتت هجمات الطائرات بدون طيار، التي تخطئ اهدافها وتصيب مدنيين، أكثر إثارة للذعر في أوساط اليمنيين في العامين الأخيرين، الأمر الذي جعل حقوقيين ينشطون ضدها ويطالبون الولاياتالمتحدة بتغيير سياستها. وفي تصريحات لوكالة الأناضول، قال الناشط الحقوقي اليمني، فارع المسلمي، إن "غالبية الضربات التي تتم في اليمن هي ما يعرف بالضربات الموقّعة، والضربات الموقعة ليست مبنية على مخابرات أو معلومات، بل على سلوك مشبوه (محتمل)، يتم التقاطه عبر الأقمار الصناعية، ويوقع عليها بعد ذلك مسئول أمني كبير في الادارة الامريكية". وأضاف المسلمي، وهو شاب يمني اختارته مجلة "فورين بوليسي" (الامريكية المتخصصه فى الشئون الاستخبارية والعسكرية ) منذ أيام ضمن أكثر أهم 100 شخصية في العالم، أنه "في بلد كاليمن، جميع سكانه حياتهم اليومية مشبوهة، فالزي التقليدي وحمل السلاح الذي يستخدم كزينة في الافراح والمناسبات القبلية منتشر بكثرة، ويتم التقاط العناصر المفترضة للقاعدة عبر الأقمار مما يؤدي الى مقتل مدنيين". ويرى الناشط المسلمى، الذي أدلى في ابريل/ نيسان الماضي بشهادته امام مجلس الشيوخ الامريكي عن التبعات الانسانية لاستخدام هذه الطائرات في اليمن، أن "على الولاياتالمتحدة ان تقوم على الاقل بخطوة بسيطة فقط وهي الاعلان عن القائمة (المستهدفة)، وهو ما سيجعل السكان يقومون بالقبض على العناصر الارهابية، أو الابتعاد عنهم إذا كانوا يحتكون بهم". ويعتقد ناشطون يمنيون أن لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية قائمة جاهزة ويتم تحديثها دائما بالمستهدفين بالقتل في اليمن، لكنها لم تعلنها، وقد يكون من ضمنها شخصيات اجتماعية يعرفها الناس ولا يعرفون عنها ارتباطها بالقاعدة، وهي هدف لامريكا، وهو ما يساهم في تأجيج الغضب على سياساتها الخاطئة في مكافحة الارهاب. وساهمت الضربة الأخيرة والتي استهدفت موكب زفاف في رفع صوت المنظمات الدولية المطالبة بوقف هذا النوع من القتل العشوائي. وفي 17 ديسمبر/ كانون أول الجاري، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش (الحقوقية الدولية ومقرها نيويورك)، الولاياتالمتحدة والسلطات اليمنية بالتحقيق في غارات جوية، أدت الى وفاة مدنيين، وضمان المحاسبة والتعويض المناسب عن الهجمات غير المشروعة، حسب وصفها. وقالت المنظمة: "من الوارد أن تكون غارة بطائرة بدون طيار في 12 ديسمبر/ كانون أول 2013 قد تسببت بقتل ما يناهز 13 مدنياً". وأشارت هيومن رايتس إلى أن "ما لا يقل عن 83 ضربة جوية (قتل مستهدف) نفذتها الولاياتالمتحدة في اليمن منذ 2009، وفقاُ لمجموعات بحثية قدّرت ان تلك الغارات قد قتلت 500 شخص أو أكثر"، بحسب المنظمة. وقالت "ليتا تايلر"، وهي باحثة في مكافحة الارهاب في هيومن رايتس: "لا تمثل البنادق والنقود حلاً لمسألة ما إذا كان المقتولون والجرحى من المدنيين، وإذا كانوا كذلك من المسئول عن وفاتهم، هناك حاجة الى تحقيقات حينما يقتل مدنيون، حتى تعرف عائلاتهم والرأي العام لماذا قتلوا، وما الذي يلزم عمله".