صورة الشهيد غالب اليوسفي ويظهر موضع جثته الطاهرة على أحد ممرات مستشفى العرضي
إنه أحد شهداء وضحايا مذبحة مستشفى العرضي الذين قتلهم اثنان من رفاق قاسم الريمي. رجل أعزل. لا تشي ملامح وجهه القروي أنه عسكري. لم يكن يحمل في يده زر إطلاق صواريخ الطائرات من دون طيار؛ عندما أطلق الإرهابي عليه رصاصتان بالرأس.
لقد كان أقصى وأكثر ما تستخدمه يداه: البانة والدسميس. إنه فني تكييف، يا قاسم الريمي. إنه يعول أسرة والده من جهة، وزوجة وأربع بنات وولد؛ من جهة أخرى. كل هذا القتل المجاني، كل هذه العائلات تهدمت ويتحدث الريمي بمنتهى البرود الوحشي عن "خطأ عارض"، وكأنه حادث سير مروري أو خدش بموس الحلاقة!
يعمل غالب في دائرة الأشغال العسكرية منذ ثمان سنوات. أسرته في قريته بمحافظة تعز لأن التزاماته الأسرية الكبيرة وراتبه الشهري المحدود حالا دون قدرته على استأجر شقة في صنعاء له ولأسرته فاضطر إلى العيش بعيداً عن أسرته وأبنائه وسكن غرفة داخل مبنى دائرة الأشغال العسكرية حيث يعمل بمعدل 14 ساعة في اليوم كما يصف رئيسه في العمل. أهذا طريقكم إلى الجنة يا قاسم الريمي. أتصف قاتل هذا الشاب المجتهد القحطاني بخالد بن الوليد؟ ثم تبرأ منه كما لو أنك النبي الركريم الذي بعث رحمة للعالمين؟ يا الله. ما هؤلاء الناس؟ حتى عصابات المافيا تقتل بشرف ورجولة.
في الساعة التاسعة و15 دقيقة من صباح يوم الجريمة؛ خرج غالب اليوسفي من مكتبه في دائرة الأشغال العسكرية بعد أربع دقائق فقط من انفجار السيارة المفخخة بالحاجز الحديدي الفاصب بين محيط مستشفى العرضي وبين مباني مجمع وزارة الدفاع ومكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الجهة الشرقية. خرج غالب لتفقد زملاءه العاملين على بناء واستكمال ديكور الطابق الرابع من مبنى مستشفى العرضي. كانوا 21 عاملاً أو "شاقياً" بحسب التعبير المحكي بين نجار وبناء وعامل طلاء (مرنج)ز لقد قدر لهم جميعا النجاة من المذبحة وكان هو وجندي من القوات الخاص عمل في إجازته كمساعد نجار آخر لجمع تكاليف الزواج الباهظة، الوحيدان الذين استشهدا من دائرة الأشغال العسكرية واسمه ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺎﺟﻲ السفياني. انفجرت السيارة المفخخة على مقربة من محمد الذي كان يحمل على ظهره لحظتئذ أخشاب بناء. ليس بوسع أحد معرفة ما الذي فكر به محمد لحظة الانفجار. ولم يجد المحققون الجنائيون من جسمه، غير شظايا ومزق صغيرة شأن العقيد البطل ﻋﻠﻲ ﻳﺤﻴﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻻﻧﺴﻲ الذي وجدت ذراعه (أو جزء منها) على بعد أمتار من موقع الانفجار. رئيسه في العمل مشيراً إلى موقع رؤية جثته
اغرورقت عينا مدير الإدارة التي يعمل فيها غالب اليوسفي بالدموع، وهو يروي لي كيف كاد يغمى عليه عندما رأى جثة غالب غارقة بدمه، وقد أخذت الطلقة نصف وجهه وفكه في ممر يوصل مبنى البدروم بالطابق الثاني وغرفة العمليات في مستشفى العرضي.
"كان في مكتبي قبل خمس دقائق" قال بحسرة. ويضيف المهندس عادل السدمي عن الشهيد غالب: "كان رجلا مكافحا يعول أسرته مع ابويه لدرجة أنه كان يعمل ليل نهار حتى يكفي من يعول من افراد اسرته واولاه في القريه".
لقد رحل غالب اليوسفي مخلفاً وراءه في قريته خمسة أطفال واب كهل مريض هل نكتفي بذكر اسمه ونحوله إلى مجرد رقم في عداد الإعلام المحلي؟ ألا تشعرون أن على كل يمني مسئولية أخلاقية تجاه أسرته؟ أين الكرام أبناء الكرام في أوساط هذا الشعب؟
هل سنسمع عن مبادرات إنسانية تجاه عائلته من رجال أعمال أو موظفين، أو حتى محدودي الدخل؟ أي مبادرة يا سادة. هل ستستقطع الدولة نصف راتبه بمجرد وفاته بدلاً من أن تقوم بترقيته وظيفياً إن لم يكن لتضحيته فأقلها من أجل تأمين مصدر دخل كريم لأسرته؟ أتمنى من مدير دائرة الأشغال ذلك.
كان يعمل غالب قبل استشهاده مستلم للمولدات الكهربائية في بلد بلا كهرباء، وبلا نور وبلا شعب مبادر!
______________________________________ يتبع قصة الشهيد علي الحريبي، وعامل النظافة اليمني الأثيوبي عثمان الذي قتله الإرهابي وهو مختبئ في حمّام او دورة مياه قسم الرقود في المستشفى.
______________________________________________ ينشر بالتزامن مع موقع المشهد اليمني وصحيفة يمن ناشينونال الإنجليزية وصحيفة المصدر أولاين المبنى المتصل بالمستشفى وغرفة العمليات والبدروم.
لقراءة مواضيع اخرى عن جريمة مستشفى العرضي اضغط (هنا)