الأزمة طويلة ومتشعبة، وتتجلى مشاهدها في الغياب الفعلي لوظيفة الدولة، فلا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم ولا أمن.. لكنها تبدو عميقة وخانقة في طوابير السيارات أمام محطات البنزين.. الأصوات تتعالى، وحالة الغضب والقلق تتسيد المترقبين لصدفة قد تقربهم من مكان التعبئة.. يدرك الناس بأننا دولة نفطية، ويشعرون بأن الأزمة مفتعلة، وأن ليس من مصلحة هادي اختلاق هذه الأزمة، وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يضع حداً لها ويحيل المتسببين للتحقيق وكشفهم للرأي العام؟ بعد يوم من توجيه الرئيس هادي الحكومة ووزارة المالية بضرورة توفير التغطية المالية الخاصة بدعم المشتقات النفطية ولمدة أربعة شهور، وإيجاد مصفوفة واسعة للمعالجات الاقتصادية، ازدادت الأزمة حدة.. لماذا؟ مجلس النواب كان قد كلف لجنة خاصة بدراسة الأسباب التي تقف خلف أزمة المشتقات النفطية.. ونفذت هذه اللجنة مهمتها، وأعدت تقريراً أوضحت فيه أن الجانب المالي هو السبب الرئيس، وأن الحكومة لم تتعامل بمسؤولية مع المشكلة من حيث عدم تسديد قيمة الشحنات المستوردة من المشتقات النفطية وإبقائها على ظهر السفن لمدة (20) يوماً، وكذا عدم سداد مبالغ الدعم لشركة النفط اليمنية من قبل وزارة المالية في المواعيد المحددة، حيث تتأخر عن تاريخ السداد لمدة ثلاثة أشهر. التقرير، أيضاً، اتهم وزارة المالية بتأخير سداد دعم المشتقات النفطية المباعة من شركة النفط لوزارتي الكهرباء والدفاع، فقد بلغت مديونية وزارة الكهرباء حتى نهاية يناير الماضي (93) مليار ريال، وبلغت مديونية وزارة الدفاع (11) مليار ريال، ومديونية اليمنية (8) مليارات ريال حتى 16/3/2014م، وتلك المديونيات تؤثر سلباً على توافر السيولة اللازمة لدى شركة النفط وقدرتها على دفع قيمة المشتقات النفطية. وأكد التقرير وجود تهريب لمادة الديزل من مخصصات عدد من الجهات الحكومية، والتي تعتمد لها مخصصات كبيرة تفوق احتياجاتها الفعلية. وأشار التقرير إلى أن من أسباب الأزمة عدم توافر مخزون استراتيجي من المشتقات النفطية لدى شركة النفط موزع جغرافياً على مناطق الجمهورية، وكذا عدم زيادة كميات المشتقات النفطية المخصصة للاستهلاك المحلي من قبل وزارة المالية. وبحسب التقرير، فإن ما يقارب 80% من الدعم المستحق لشركة النفط يتم تسديده في شكل نفط خام والذي يستغرق تكريره وبيعه ما يقارب (45) يوماً، وهو ما أضعف من قدرة شركة النفط اليمنية على شراء المشتقات النفطية ودفع قيمتها بمجرد وصولها الموانئ اليمنية، وبالتالي فإن آلية الدفع هذه تمثل أحد أسباب الأزمة القائمة، وطالما استمرت هذه الآلية سيستمر تأخير السداد لقيمة المشتقات النفطية. كما اتهم التقرير وزارتي الدفاع والداخلية بعدم القيام بواجبهما في تأمين أنابيب النفط وإيقاف أعمال التقطع للقاطرات المحملة بالمشتقات النفطية ومكافحة التهريب الداخلي والخارجي. وأوضح التقرير أن دعم مادة الديزل المقدم للكهرباء يصل إلى أكثر من (154) ريالاً للتر الواحد، وأن الكمية المسلمة للكهرباء خلال عام 2013م بلغت (851.3) مليون لتر تصل بالسعر العالمي إلى حوالى (165.7) مليار ريال، وتتحمل الحكومة فارق السعر كدعم لمادة الديزل بمبلغ (157.6) مليار ريال وبنسبة (95%) من قيمة الديزل.. وعلى الرغم من كل ذلك فإن المؤسسة العامة للكهرباء لا تسدد ما عليها من قيمة الديزل لشركة النفط اليمنية والمحتسب بسعر (40) ريالاً عليها. وكشف التقرير عن تزايد كمية المشتقات النفطية المقدمة لمحطات شراء الطاقة الكهربائية، وتراجع الكميات المقدمة للمحطات الكهربائية التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء، واعتبر ذلك مخالفة صريحة لتوصيات المجلس والتي تضمنت الحد من عمليات شراء الطاقة؛ نظراً لما تسببه تلك السياسة من أعباء مالية كبيرة تتمثل في رفع فاتورة دعم المشتقات النفطية. وشدد التقرير على ضرورة أن تقوم وزارة المالية بتسديد قيمة دعم المشتقات النفطية نقداً بدلاً عن السداد بكميات من النفط الخام، وأن يظل التعامل بالنفط الخام مقتصراً على وزارة المالية وشركة مصافي عدن، وفي حال عدم التزام وزارة المالية بسداد مبالغ الدعم في المواعيد المتفق عليها، فعلى شركة النفط مخاطبة الجهات المعنية في الحكومة بذلك. وأوصى التقرير بضرورة إعادة النظر في مخصصات وزارتي الدفاع والداخلية من المشتقات النفطية، وضرورة الالتزام بقانون المناقصات فيما يخص عقود شراء الطاقة، وعدم تجديد عقود الطاقة المشتراة المنتهية، وعدم إبرام عقود جديدة لشراء الطاقة بالمحطات التي تستخدم مادة الديزل. * المصدر: أسبوعية المنتصف