لم يعد أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي وصل إلى القصر الجمهوري بموجب اتفاق سياسي برعاية دولية سوى مخرج وحيد لينجو من المأزق الذي وضع نفسه فيه وأدخل البلاد في دوامة من الفوضى، أكثر خطورة من تلك الأيام التي عاشها اليمنيون خلال الأزمة الماضية والتي انتهت بوصول هادي إلى رئاسة اليمن. خلال شهور الأزمة والتي شهدت مواجهات عسكرية في صنعاءوتعز وأرحب والحيمة ويافع وغيرها من المناطق لم تكن اليمن تعيش وضعاً منفلتاً كالذي تعيشه اليوم بسبب غياب الرؤية لدى مؤسسة الرئاسة التي تعبث بالملفات الشائكة بغية تمرير ما تراه مناسباً ويخدم مصالح مركز الرئيس وأركان منظومته الجديدة. اليوم وبكل برود يعلن وزيرا الدفاع والداخلية أمام اجتماع مجلس الوزراء أنهما لم يستطيعا حفظ الأمن في البلاد وان الوضع خرج عن السيطرة، ومع ذلك الحكومة لم تهتم بالموضوع والرئيس يواصل حديثه المكرر عن أن البلاد غادرت النفق المظلم وان الوضع تحسن وأننا أحسن من سوريا وانه خلال الأزمة كان الأطفال الخدج يموتون في المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء بينما اليوم يموت الخدج والشباب والكبار في المستشفيات وخارج المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء. إلى أين يسير هادي بالبلاد ومتى سيشعر بأنه أمام مسئولية كبيرة تحتم عليه العمل وفق خيارات وطنية ورؤية جديدة تنتقل باليمن إلى موضع أبعد من شرفة الهاوية التي تقبع فيها منذ مطلع 2011 م يوم انطلقت ثورة النظام على رئيس النظام؟ ومن يتابع ويحلل بطريقة علمية بعيداً عن المكايدة سيكتشف أن كل ما أنجزه هو إزاحة أقارب الرئيس السابق علي صالح من مؤسسات الجيش وتدمير قوات النخبة في القوات المسلحة إضافة إلى سعيه الحثيث للسيطرة على قيادة المؤتمر الشعبي العام ليضمن سنداً حزبياً وجماهيرياً يواجه به القوى السياسية الأخرى ويتمكن من الاستمرار رئيساً سواءً بالتمديد أو الترشح لفترة جديدة . قال الرئيس هادي خلال اجتماع للجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام بعد عودة الرئيس صالح من فترة العلاج بالرياض إن الرئيس علي عبدالله صالح احد الثوابت الوطنية ولا يمكن أن يتنازل عن السلطة إلا بعد انتهاء فترته وأنه شخصيا " هذا الكلام للرئيس هادي في قاعة دار الرئاسة" لن يوافق على تسلم الرئاسة وعلي عبدالله صالح كزعيم وطني قادر على مواصلة المسيرة . اليوم ينسى الرئيس هادي كل هذا الكلام ويحاول أن يستثمر الرئيس صالح وأقاربه كورقة لتمرير ما يريد من تعيينات في مؤسسات الدولة، مدنية وعسكرية، إضافة إلى تحميل صالح تبعات كل ما يجري في البلاد ووزر الفشل الذي يعيشه الرئيس في طريقة إدارته للبلاد والمرحلة. قبل أقل من شهر جمع الرئيس هادي عدداً من قيادات الدولة العسكرية والمدنية في مجلس يشبه مجلس الحرب وهدد وتوعد من يخرب الكهرباء بالقوة وفي ذات الوقت رمى الكثير من فشله وحكومته على الرئيس السابق علي صالح وتوعد بعقوبات مجلس الأمن والترحيل من البلاد وغيرها من مفردات الزهو الرئاسي المغلفة بالفشل المؤلم . بعد تهديد الرئيس وتوجيهاته بالحرب على مخربي الكهرباء تم استهداف الكهرباء من جهات قبلية يعرفها هادي وأجهزة أمنه واستخباراته وتنشر الداخلية باستمرار أسماء المعتدين على الكهرباء ولكن لم يظهر اسم علي عبد الله صالح أو عمار صالح بين المعلنة أسماؤهم وهذا دليل كافٍ على أن الرئيس يغالط شعبه وإلا لكان أثبت التهمة على من اتهمه ويتهمه دوما ولديه كل الوسائل التي تمكنه من التأكيد بالأدلة . ومنذ ذلك اليوم الذي استبشر فيه اليمنيون بظهور هيبة الدولة، وعزم الرئيس الضرب بيد من حديد على المخربين، والكهرباء عرضة لهجمات يومية والرئيس والجيش ومجلس الحرب لم يحرك ساكناً وكأن هناك سراً محيراً قد تكشفه الأيام بأن " حاميها حراميها" وان من يخرب الكهرباء هم حماتها وذلك لتحقيق مصالح ورغبات معينة سياسية أو تجارية . أيام غياب الرئيس السابق علي صالح في الرياض للعلاج كان هادي هو الرئيس الفعلي للبلاد والقائد للجيش وكان الجيش يقاتل في أماكن كثيرة وعبد ربه منصور هو المسئول عن إدارة المعارك ومنها المواجهات التي حصلت في شارع الزبيري وجولة كنتاكي، لكنه اليوم يتحدث بلسان الثورة ومنطق الثوار وأحقية الرحيل والترحيل للنظام السابق وكأنه كان احد قادة ساحة التغيير بصنعاء. كان هادي يأمل عدم إسقاط صنعاء وعدم تمكين علي محسن وأنصاره من إنجاح الانقلاب والسيطرة على الدولة وكان الحرس الجمهوري وقائده احمد علي عبد الله صالح حينذاك ورقة هادي الرابحة والسلم الذي سيوصله إلى القصر لأن سقوط صنعاء وانتصار قوات علي محسن والإخوان ينهي صلاحية المبادرة الخليجية ويحول الوضع في اليمن إلى ما وصل إليه وضع ليبيا وتونس ومصر وحينها سيكون هادي احد أركان النظام المشمولين بالمحاكمة الثورية هذا إن كان سلم من التصفية مع كل أركان نظام صالح. وصل هادي للسلطة من موقعه كنائب للرئيس علي عبد الله صالح وبموجب تسوية سياسية أطرتها مبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وكان الحرس الجمهوري وأنصار الشرعية الدستورية هم من سانده وحافظ على صمود مؤسسات الدولة حتى وصل للرئاسة، وكانوا أول من ذهب للصناديق لترشيحه رئيساً لليمن من أجل أن ينفذ المبادرة الخليجية وينهي أزمة اليمن التي كادت تدخل البلاد في حرب أهلية طاحنة. ثورية وشركاء حين وصل هادي للرئاسة تحول إلى خطيب ثوري وبدأ يزمجر معلناً انتهاء الحقبة السوداء من تاريخ اليمن والتي تصل إلى بعد انطلاق ثورة سبتمبر، معتبراً الخمسين العام الماضية من الماضي الذي يجب أن ينتهي ويسدل عليه الستار، حتى تلك الفترة التي مكث فيها نائباً لرئيس اليمن قرابة العقد ونصف العقد من الزمان .. تناسى الرئيس أنه وصل بموجب مبادرة وأن عليه تنفيذ ما تحتويه المبادرة وليس خلق واقع جديد يمهد لبقائه في رئاسة البلاد كما يتمنى . أصبح الحرس الجمهوري والقادة الذين أوصلوه بصمودهم في وجه الانقلابيين خطراً على وجوده في رئاسة البلاد فحول وحدات الحرس إلى مجاميع مفتتة وغير متماسكة ووزعها على طول البلاد وعرضها وأنهى ألوية ودمر أخرى وحول القوات الخاصة إلى ثكنات للصراع بين قادتها بعد أن استبدل العديد منهم بقادة آخرين من الذين كانوا بالأمس يحاربونه ويريدون اقتلاعه مع نظامه وحزبه بالكامل. ثورية الرئيس هادي بدت طاغية في كل أحاديثه وخطاباته غير ان هذه الثورية، صنعها له ولخدمة مراكز القوى التي يتحالف معها، فهو في ثوريته لم يلتفت للشباب في الساحات بل ذهب إلى شيوخ الإخوان المسلمين وعواجيز الجيش الذين كانوا يحاولون الانقلاب عليه. لم يلتفت الرئيس إلى الشباب الذي أصيبوا في الساحات حيث يواجهون الإهمال والموت كل يوم في واقعهم المر، كما أنه لم يعين أحداً من الشباب في منصب مهم ولم يمنحهم أية فرصة للمشاركة في إدارة البلاد رغم انه يتغنى ليل نهار بالثورة وانتهاء الحقبة الماضية . ولعل المستفيد الأول من ثورية الرئيس هادي هو الشاب جلال، نجله الأكبر، ورفاقه الشباب الذين يحضرون للتخزين معه في مقيله اليومي، حيث تحولت مؤسسة الرئاسة إلى جمعية خيرية تمنح المزايا والهبات لمن تشاء على شكل قرارات جمهورية وبدلات سفر وغيرها من المكرمات الرئاسية السخية. هكذا يديرها ويفعل ما يفعله الرئيس هادي في طريقة إدارته للبلاد يعد علماً جديداً في إدارة مؤسسات الدولة فهو يفتت المؤسسات المؤهلة للقيام بدور وطني وايجابي لخدمة الأمن والاستقرار في البلاد، كما فعل مع الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ويبني وحدات عسكرية جديدة من مليشيا قبلية وحزبية ليس لها أي هم سوى التسابق على تخريب الوطن لصالح الحزب والجماعة. يعين قيادات مدنية في مناصب مهمة رغم ثبوت فشل هذه القيادات سابقاً ويتجنب الاستفادة من الخبرات والكوادر التي لديها القدرة على خدمة البلد حتى الجنوبيين الذين عملوا في السابق في مؤسسات الدولة، وكل همه في هذه التعيينات هو ان يزيح كل من يراه قريباً من علي صالح أو الحزب الاشتراكي اليمني . يتحدث عن مرحلة حوار وطني ووئام ونسيان الماضي ويحمل علي صالح نتائج فشله في قيادة البلاد، ويتحدث عن حل القضية الجنوبية وإنهاء معاناة الجنوبيين ويقوم بدعم الإصلاح في الجنوب بكل ما يحتاجه من أجل إهانة أبناء الجنوب ومواجهة قوى الحراك الجنوبي ليثبت انه أقوى من خصوم الأمس الذين غادر الجنوب بسببهم ومنهم علي سالم البيض. يدعو إلى حل قضية صعدة وطي ملف سنوات الحرب في المحافظة ويتناسى ملف المشردين والنازحين من أبناء المحافظة، بل وتقوم أجهزة الأمن بارتكاب مجزرة بحق الحوثيين الذين يعدون الطرف الأول في صعدة المعني بحل القضية. زار الحديدة وقال إن معاناة أبناء تهامة يجب أن تنتهي، وفي ذات الوقت رفض استقبال قادة الحراك التهامي الذين يطالبون برفع الظلم عن أهاليهم، بل قامت أجهزة الأمن بإعلان قائمة ب21 ناشطاً تهامياً كمطلوبين لقوات الأمن كونهم يخلون بالاستقرار بالمحافظة وتناسى مخربي الكهرباء وقطاع الطرق ومعيقي فرض هيبة القانون في البلاد. يعد محافظ تعز بالدعم لإنهاء حالة الفوضى في المحافظة ويترك وزارة الداخلية ووزراء الإصلاح يتمادون في تعطيل مهام المحافظ وإرباكه ويسكت عن رفض وزارة الداخلية توفير الدعم المطلوب للمحافظة من اجل فرض الأمن وإعادة الاستقرار إلى المحافظة. يرسل إلى محافظ حجة ويجمعه بقيادات المؤتمر ويطلب من المؤتمر مساندته في أداء مهامه ويترك وزير الداخلية الإصلاحي يعبث بأمن المحافظة من خلال تعيينات غير مدروسة وحزبية كل الغرض منها إثارة الصراعات بين القوى السياسية والمجتمعية في المحافظة. يطالب المؤسسات المحلية بتنشيط دورها ويترك وزير المالية يسيطر ويتحكم بكل مخصصات المحافظات ومشاريع البنية التحتية للمحافظات لدرجة وصل فيها صخر الوجيه إلى الطلب من محافظين تحويل شيكات المقاولين على وزارة المالية لتقوم بدفعها هي بدلاً من السلطة المحلية . يترك وحدات الجيش عرضة للصراع والاقتتال الداخلي ووزير دفاعه لا يفعل شيئاً سوى ان يتهم من يرفضون التغيير وكأن كل أفراد الجيش هم من عشيرة علي صالح أو نجله احمد علي . حصيلة الفوضى التي يصنعها الرئيس الثوري كبيرة ولا تكفي صحف بكاملها لسردها وتحليلها، لكن عليه أن يتأكد أن الأوطان لم تكن في يوم من الأيام مشاريع خاصة وان كل محاولات الاستحواذ وتركيز السلطة والمال والنفوذ في يد مجاميع مقربة ومحددة قد فشلت جميعها وأن اللعب بورقة التناقضات وإشعال الصراعات بين القوى المتخاصمة ليس في صالح أحد لأن النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. * صحيفة "المنتصف"