(نبض وياسمين) لم تكن باللطمة الجديدة، فقد لطمنا قبلها مئات اللطمات... لكنها كانت مختلفة، ليس لها مثيل من قبل، على الأقل في السنوات الأخيرة من هذا القرن، ولنقل في الخمسين السنة الماضية، لذلك كانت مرعبة وقاتلة، كأن ثمة أحداً وراء كل هذه الكواليس، هدفه الوحيد، قتلنا ببطء، ذبحنا بوحشية غير محسن للذبح.. مع أننا لو تأملنا لحالنا أصلاً، لوجدنا أنفسنا، مذبوحين منذ زمن، فقليلاً ما كنا، ومازلنا، نشعر أن لنا رؤوساً أصلاً، فيها دماغ، من حقنا أن نستخدمه في اتخاذ قراراتنا، والدفاع عن حقوقنا ورفع الظلم عنا، وغالباً نمشي وننسى أن على أجسادنا رؤوساً أصلاً، لكنها كمنظر تعتبر تكملة للصورة فقط، لكن هذا لا يبرر أن لهم الحق في إزالة هذه الرؤوس المزالة أصلاً سابقاً، ومن على من، من على أولئك المسحوقين أصلاً، ومن محافظة واحدة، وإخوة ثلاثة من بيت واحد، كأن هؤلاء ليسوا بشراً أصلاً، فو الله أن من يذبحون حتى الدجاج، لا يذبحونها بهذه الطريقة، يحسنون ذبحها، لكونها من ذوات الأرواح وستتوجع، لكن أن تصل الوحشية من مجموعة من المكبرين والمهللين ليجربوا سكاكينهم غير المعدة للذبح، على تلك الرقاب، فأمر لا يحتمل.. فحتى اليهود الكفرة، كانوا يقتلون الناس بغزة بالقصف، يعني صواريخ ورصاص، فكانوا محسنين للقتل، لكن أن يصل الحال إلى أن نكون نحن من ندعي الإيمان والحكمة، نتحول لخراف تُذبح هكذا، فشيء لا يمكن تصديقه، هل يعقل أنهم مجرمون لهذا الحد، أقصد ما الجرم الذي اقترفوه، ليذبحوا بهذه الطريقة؟!! مع أن هناك من المجرمين والسرق والفاسدين، من يستحقون العقاب ولو بالقتلفيما فعلوه بنا ويفعلونه، وكل ذلك باسم الوطن، إلا أنه لا يمكن أن تطاوعنا، على الأقل، عقولنا ودماؤنا حتى على قتلهم أو حبسهم، مع أنهم سبب شقائنا وضياع وطننا، ومن قبل أعمارنا وأحلامنا، ومع أنهم يدوسون على رقابنا منذ ولادتنا، ويعيشون على ما يمتصون من دمائنا، وأفكارنا وحتى أنفاسنا. إلا أننا لا يمكن أن نتخيل لهم هذه الميتة الوحشية، أو حتى نفكر فيها، والأكثر إيلاماً وبشاعة، وقاحة الفاعلين، وتصوير أنفسهم كأنهم أبطال هوليود، في أفلام الرعب، حتى سكاكينهم لم تكن شفرتها مميتة، لتكون زيادة في عذابهم، وقد ماتوا فور رؤية السكاكين وسماع التكبيرات، لكل قارئ أن يتخيل موقف أم من أمهات أولئك الشباب، فكيف بأم الثلاثة، وفاذا كان قلب من لا يعرفهم لا يتحمل تلك البشاعة، فكيف بأم ربت وسهرت وضحت وفي الأخير يعود لها رأس بلا جسد، وبخبر من، وعلى يد من، على يد أخ مثله، له نفس الدم والانتماء.. لكن السؤال الذي يحيرني الآن، هو من أصحاب الرؤوس القادمة، هل ستذبح هذه المرة هذه الجماعة رؤوساً كبيرة، طال تحملنا لها، وبغت علينا، رؤوساً قد أينعت وشابت، أم أن هذه السكاكين لا تذبح إلا الرؤوس الرخيصة، أما الرؤوس الغالية، التي نهبت البلاد والعباد، فلا تكبير عليها ولا سكين، عقبال الرؤوس الكبيرة، أما نحن فقد نسينا أن لنا رؤوساً منذ زمن..