(كراسة وطن) مازالت تلك الصور المرسومة في أذهاننا كقرويين تبعثُ على الإحساس بالجمال والدهشة.. والتحليق في عوالم السحر الخرافي.. وبمجرد أن ينتقل الفرد منّا للاستقرار في المدينة.. يشعر أنه فقد جمالياتٍ كثيرة تمتاز بها القرية.. وفي لحظةٍ غير مرتبٍ لها تكتشف أن القيمَ الرائعة.. تنزوي على استحياءٍ بأرصفةِ المدينة.. وأن الذين يصرّون على إحيائها.. هم أبناء الريف أنفسهم!! فكل صباحٍ عندما تقبّلُ خطواتك الأرض.. ماراً (بباب اليمن) باتجاه صنعاء القديمة.. لا بُد أن تكتحل عيناك بمنظرٍ يندر أن تراه حتى في القرى نفسها.. منظر بائعات المشاقر.. وهن يفرشن تلك الحُزم المتنوّعة أمامهن.. لوحة جمالية صباحية تبعثُ على الراحةِ والاستئناس.. في زمنٍ لم نعُد نشاهد فيه سوى صور الفجائع والخيبات. فعند مرورك بمحاذاتهن.. ستسمع أجمل كلماتٍ ينطقن بها.. وهي: (جرّ يابني...جرّي يا بنتي.. شذاب.. ريحان.. بردقوش.. غبيرا)!! أضف إلى ذلك عندما تصافح خياشيمك رائحة القرية المتكوّمة على رصيف العاصمة.. وذات فضولٍ صحفي قررت سؤال إحداهن : من أين يا خالة تأتي بالمشاقر؟؟ ماذا تتوقع الرد عزيزي القارئ؟؟!! في البداية ظننت أنها ستقول لي من بساتين صنعاء القديمة.. أو ما تسمى بالمقاشم الخلفية لسورها القديم!! ولكنها بادرتني بالرد قائلةً: نجي به من بلاد الروس, وبني مطر, والحيمة, وبيت بوس, ودارس.. إلخ تلك المناطق الريفية القريبة من العاصمة.. والأهم في الموضوع أن أولئك النسوة جئن ليكتسبن أرزاقهن.. وأنهن أفضل من ألف عاطل.. يتسكعون بشوارع المدن.. أضف إلى ذلك إحياء قيمة جمالية رائعة.. تستحق أن يشجعهن عليها الجميع....على الأقل بشراءِ (مشاقرهن)...!! فسلامٌ لكلِ قاطفاتِ المشاقر، يُقبّل رأس كلٍ واحدةٍ تبيع مشاقرها.. وتهزمُ الفقر في وطني شر هزيمة! وسلامٌ على أناملهن التي قطفت تلك الأغصان الرقيقة.. ليفوح أريجها في زمنِ الروائح النتنة...! سلامٌ على كلِ مكافحةٍ لا تنتظر، السماء تمطر ذهباً، لأنها هي من تأتِ بالذهب، ويكفي أنها أفضل من ذوي (الشوارب)!! * المنتصف