يعرف الحوثيون، أي "انصار الله"، في اليمن ماذا يريدون. سيطروا على ميناء المخا في محافظة تعزّ وهم يتجهون نحو باب المندب ذي الأهمّية الاستراتيجية نظرا إلى أنّه يتحكم بالملاحة بين الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس. ترجمة هذه الخطوة، في حال تحقّقت، هي التحكّم بجزء لا بأس به من طرق الملاحة التي تمرّ عبرها صادرات النفط الآتي من الخليج والمتجه إلى أوروبا عبر السويس. بالنسبة إلى إيران التي ينتمي الحوثيون إلى المنظومة التي أقامتها في المنطقة، تعتبر السيطرة على باب المندب إنجازا في غاية الأهمية، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أنّها تتحكّم أيضا، بالمشاركة مع سلطنة عُمان، بمضيق هرمز. سيطر الحوثيون على مدينة عمران مطلع تمّوز يوليو الماضي بعدما بسطوا نفوذهم في مناطق عدّة من المحافظة وطردوا آل الأحمر، زعماء حاشد، من قرى وبلدات كانت تعتبر معاقلهم. دمّروا حتى بيوتا وقصورا لأبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (توفّى أواخر العام 2007)، الذي كان يعتبر مع أفراد عائلته، طوال ما يزيد على نصف قرن، من بين الأشخاص الذين لا يُمسّون في اليمن. كانت نقطة التحوّل السيطرة على مدينة عمران نفسها ومعسكرات اللواء 310 الذي كان يقوده العميد حميد القشيبي، أحد رجال اللواء علي محسن صالح الأحمر، القائد العسكري المحسوب على الإخوان المسلمين. فتح سقوط المعسكرات الطريق إلى صنعاء التي ما لبث الحوثيون أن دخلوها دخول الفاتحين معلنين سقوط النظام الجمهوري الذي نشأ في السادس والعشرين من أيلول سبتمبر 1962. هناك من يتلهى حاليا بفرض عقوبات دولية على اثنين من قادة الحوثيين وعلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح بحجّة أنّه متحالف مع "أنصار الله". ما هذه المهزلة التي ليس بعدها مهزلة، في وقت أن هناك من أعلن قيام نظام جديد مرتبط كلّيا بإيران انطلاقا من صنعاء؟ نعم، هناك من يتلهى بمعاقبة رئيس سابق وقياديين حوثيين فيما مشكلة اليمن حاليا في مكان آخر. فرض مجلس الأمن العقوبات على عبدالله صالح والقياديين الحوثيين، لكنّ ذلك لن يحل أيّ مشكلة. تكمن مشكلة اليمن في طبيعة العلاقة التي تربط الحوثيين بإيران وفي أنّه دخل مرحلة الحروب الداخلية ذات الطابع المذهبي التي ليس معروفا كيف يمكن أن تنتهي، أو هل يمكن أن تنتهي في يوم من الأيّام. قرّر الحوثيون، الذين واجهوا مقاومة شديدة في مناطق الوسط ذات الكثافة السكانية الكبيرة، تغيير خططهم. ساروا بمحاذاة البحر في اتجاه باب المندب. صارت الأمور سهلة عليهم بعد سيطرتهم على الحديدة ولكن من دون أن يعني ذلك أنّهم في نزهة. من الواضح أن اليمن مقبل على أحداث كبيرة تتجاوز معاقبة علي عبدالله صالح واثنين من قادة الحوثيين ليس بينهما زعيم "أنصار الله" عبدالملك بدر الدين الحوثي. لماذا لم يتجرّأ مجلس الأمن ومن خلفه الولايات على التطرق إلى عبدالملك الحوثي الذي كان المبعوث الدولي جمال بنعمر يتفاوض معه، فيما كان "أنصار الله" يكملون سيطرتهم على صنعاء، حيث لديهم أصلا وجود قوي، ويفرضون شروطهم على الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي؟ ما يفترض في المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، البحث فيه جدّيا يتلخّص في نقطتين: الأولى مرتبطة بالحوثيين وما يريدونه. أين سيتوقف الحوثيون، ومن خلفهم إيران، في حال الوصول إلى باب المندب؟ هل يكتفون بشمال الشمال وبالساحل اليمني المطل على البحر الأحمر، أم سيحاولون مجددا اقتحام البيضاء وإب وتعز وسيطرقون أبواب عدن ومناطق ومدن جنوبية أخرى؟ أما النقطة الثانية، فهي تتعلّق بالشرخ المذهبي الذي يترسخ يوميا في اليمن والذي يمكن أن تكون له انعكاساته على المنطقة كلّها، خصوصا أنّه صارت ل"أنصار الله" حدود طويلة بريّة وبحرية مع المملكة العربية السعودية. هل من يريد أخذ العلم بأن الحوثيين صاروا في محافظة حجّة المطلة على البحر الأحمر وفيها ميناء ميدي، فضلا عن أنّها على حدود السعودية؟ يمكن القول إنّ لعلي عبدالله صالح تحالفا ذا طابع تكتيكي مع الحوثيين وذلك من منطلق أنّهم أعداء أعدائه الذين انقلبوا عليه وحاولوا قتله. أعداء علي عبدالله صالح هم الإخوان المسلمون الذين كانوا خلف "الثورة" التي حملته على التخلي عن السلطة، استنادا إلى المبادرة الخليجية. أمّا مسؤولية عدم التصدي ل"أنصار الله" في عمران، فهي لا تقع على الرئيس السابق بمقدار ما تقع على الرئيس الانتقالي الذي لعب لعبة الانتظار والرهان على الاستنزاف المتبادل بين "أنصار الله" والإخوان. تبيّن أن رهان عبدربّه لم يكن في محلّه بأي شكل. بدل التلهي بالقشور، يُفترض بالإدارة الأميركية تحمّل مسؤولياتها والابتعاد عن الاستسهال. فطوال ما يزيد على عشر سنوات، كان المسؤولون الأميركيون يصرّون على أنّ لا مشكلة في اليمن سوى "القاعدة". فعل الأميركيون كلّ شيء من أجل إيجاد تعاطف في بعض الأوساط الشعبية مع "القاعدة"، خصوصا أن الطائرات التي من دون طيّار التي استخدموها لضرب الإرهابيين قتلت أيضا عشرات الأبرياء صودف وجودهم في المكان الخطأ... في النهاية، قبل الدخول في متاهات من نوع فرض عقوبات على هذا الشخص أو ذاك، والطلب من علي عبدالله صالح مغادرة بلده، من الضروري اعتراف الإدارة الأميركية ومعها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بأنّ لا وجود لعملية سياسية في اليمن. ما نتج عن مؤتمر الحوار الوطني صار جزءا من التاريخ. العملية السياسية انتهت بعدما فرض الحوثيون بقوّة السلاح "اتفاق السلم والشراكة" على الرئيس الانتقالي، وهو اتفاق وقّعه الجميع بحضور عبدربّه منصور وتحت إشراف الأممالمتحدة ورعايتها! السؤال الآن، وفي غياب القدرة على تشكيل حكومة يمنية، هل تريد الولاياتالمتحدة مواجهة الحوثيين، ومن خلفهم إيران، أم تريد التوصل إلى تفاهم معهم؟ كل ما عدا ذلك تفاصيل قد لا تكون لها أهمّية تذكر، إذا أخذنا في الاعتبار ما يتحقّق على الأرض من جهة واحتمالات حصول انفجار كبير من جهة أخرى. هذا الانفجار المتوقع، عائد أوّلا وأخيرا إلى وجود اختراقات ل"أنصار الله" في مناطق الوسط والجنوب، في وقت هناك وجود قوي ل"القاعدة" في تلك المناطق الشافعية التي يصعب عليها أن تصبح تحت حكم مجموعة شمالية بات هناك أخذ ورد في شأن مدى ارتباطها بالمذهب الزيدي كما عرفه اليمن عبر تاريخه بالغ القدم. * العرب أونلاين