أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الاولية الرسمية للانتخابات الرئاسية في دورها الثاني التي جرت الأحد، واسفرت عن تحصل الباجي قائد البسسي عن 1731529 صوتا بنسبة 55.68 بالمائة فيما تحصل المنصف المرزوقي على 1378513 صوتا بنسبة 44.32 بالمائة. وجاءت النتيجة متطابقة تقريبا مع ما اعلنته مؤسسات سبر الآراء منذ مساء الأحد أن عن تقدم قائدالسبسي مرشح القوى الوطنية والديمقراطية في تونس بنسبة 55.5 بالمائة على منافسه المرزوقي مرشح الإسلاميين الذي حصل على نسبة 44.5 بالمائة.
وهو ما يؤكد فوزه الذي أعلنه أمام حشد من أنصاره في مقر حملته الانتخابية بمنطقة البحيرة بتونس العاصمة.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 59 بالمائة في حوالي 4000 مكتب اقتراع وسجلت أكبر نسبة إقبال على التصويت في دائرة صفاقس 2 حيث بلغت نسبة المشاركة 58 بالمائة في حين تم تسجيل أقل نسبة مشاركة في دائرة سيدي بوزيد بنسبة 33 بالمئة.
وكشفت مؤسسة "سيغما كونساي" لسبر الآراء أن قائد السبسي حصل على 55.5 من مجموع أصوات الناخبين في كل الدوائر الانتخابية فيما لم يحصل المرزوقي سوى على نسبة 44.5 بالمائة.
وأعلنت الهيئة الفرعية المستقلة للانتخابات صباح الاثنين بدائرة المهدية الساحلية أن قائد السبسي فاز بنسبة 67.3 بالمائة في حين حصل المرزوقي على نسبة 32.7 من أصوات الناخبين.
ويرى السياسيون وغالبية التونسيين أن فوز قائد السبسي المدعوم من قبل الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية والليبرالية والعلمانية يعد "انتصارا تاريخيا" للمشروع الوطني الحداثي الديمقراطي على مشروع الإخوان الرجعي الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي المدعوم من قبل حركة النهضة والجماعات السلفية.
وتعتبر الانتخابات الرئاسية المرحلة الأخيرة من مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعثر حوالي أربع سنوات لكونها سترسي أول نظام ديمقراطي ومؤسسات دولة مدنية مند انتفاضة 14 يناير/كانون الثاني 2010 التي أطاحت بنظام الرئيس زين لعابدين بن علي.
وبدا فوز قائدالسبسي مؤكدا من خلال المؤشرات الأولية لعملية الفرز التي أظهرت تقدمه بفارق كبير على منافسه منصف المرزوقي.
وتوجه قائدالسبسي بالشكر لكافة أفراد الشعب التونسي سواء منهم الدين ساندوه أو ساندوا المرزوقي معتبرا أن التونسيين "عبروا عن آرائهم بشكل سلمي وحضاري وبينوا للعالم أنهم شعب واع ومتحضر وأكد أن "المستقبل يحتم العمل معا من أجل تونس".
ومع فوز قائدالسبسي يكون التونسيون قد انتصروا للمشروع الوطني الحداثي الذي ناضلت من أجله أجيال من المصلحين مند منتصف القرن التاسع عشر من أجل بناء دولة مدنية ذات مؤسسات سيادية قوية تتمتع باستقلالية قرارها الوطني، وأيضا من أجل مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحق في الاختلاف والتعايش السلمي، وبذلك أجهضوا الأمل الأخير لمشروع الإخوان الذي يقوده بالوكالة منصف المرزوقي في تحالف انتهازي مع الإسلاميين المدعومين من قبل المحور التركي القطري.
ونجح قائدالسبسي خلال الحملة الانتخابية في كسب تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام حيث نحت لنفسه صورة "رجل الدولة القوي" الذي يدافع عن مكاسب التونسيين الاجتماعية والسياسية ضد أجندة حركة النهضة التي يرأسها راشد الغنوشي والتي تسعى لنسف تلك المكاسب والعودة بتونس إلى القرون الوسطى من خلال أسلمة الدولة والمجتمع.
وفي الوقت الذي انتهج المرزوقي خطابا يحرض على العنف والكراهية وإثارة النعرات الجهوية والقبلية انتهج قائد السبسي خطابا وطنيا يدعو إلى الوحدة الوطنية بين جميع التونسيين مشددا على "الوفاق الوطني" من أجل انقاد تونس من الأزمة التي تعصف بها مند حوالي أربع سنوات.
واستفاد قائدالسبسي من القواعد الانتخابية للأحزاب الوطنية والديمقراطية وأيضا اليسارية التي دعت قواعدها إلى قطع الطريق أمام المرزوقي "لما يمثله من خطر على مستقبل العملية الديمقراطية بعد أن أصبح صوت الإسلاميين المرتبطين بالتنظيم الدولي للإخوان" كما استفاد من خزان انتخابي شعبي غير منتمي للأحزاب بعد أن قاد حملة انتخابية ناجحة في الأحياء الشعبية وفي الجهات الداخلية المحرومة.
وبالمقابل قاد المرزوقي حملة انتخابية فاشلة، حيث كثيرا ما طالبه التونسيون ب"الرحيل" حيث ما حل تعبيرا منهم عن سخطهم وغضبهم على سنوات حكمه التي لم تجن منها تونس سوى أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.
ولا يخفي غالبية التونسيين "فرحتهم" بفوز قائد السبسي الذي قطع نهائيا مع تجربة الحكم الكارثية للترويكا بقيادة حركة النهضة، وهم يرون في هذا الفوز استعادة تونس لتجربتها الوطنية التي تأسست على مبدأ مدنية الدولة والولاء لها لا الولاء لجماعة دينية كما تأسست على قيم تضامن المجتمع ونبد العنف والسلم الأهلي بعيدا عن نزعات التعصب وتقسيمهم إلى "مؤمنين وكفار".
وقاد قائدالسبسي معركة شرسة ضد الإسلاميين مند أن أسس حزب حركة نداء تونس قبل عامين وألحق بها نكسة لم تكن تتوقعها لما فاز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر الماضي بعد أن فاز بأغلبية مقاعد البرلمان.
وعلى الرغم من أن فوز زعيم حزب نداء تونس أنهى نفوذ جماعات الإسلام السياسي في المشهد السياسي التونسي فإن الجماعات الجهادية لا تزال تشكل خطرا على التجربة الديمقراطية الناشة.
ويعتبر قائدالسبسي أن من أبرز أولوياته خلال السنوات الخمس القادمة تتمثل في محاربة الإرهاب وتوفير الأمن للمواطنين الأمر الذي عزز التفاف السياسيين وأغلبية التونسيين حوله ودعمه.
وبرأي السياسيين والمراقبون فإن فوز قائدالسبسي هو أعمق من "انتصار انتخابي" على منافسه المرزوقي لأنه "يمثل انتصار التونسيين لمشروع الحداثة وللديمقراطية وللدولة المدنية" وهو بالمقابل "إجهاض لآخر أمل لمشروع الإخوان الذي جرتهم البلاد ولم تجن من حكمهم سوى الخراب".
ويشدد السياسيون والمراقبون على أن "تونس فتحت صفحة جديدة في تاريخها الوطني وكسبت معركة وطنية مصيرية ضد الإسلاميين لتجهض وللأبد أجندتهم المرتبطة بجهات خارجية ولتقبر مخططات الإسلام السياسي لا في تونس فقط وإنما في بقية البلدان العربية".