كان ماركس يردّد في ( المسألة اليهودية) أن هناك وفي كل أمة، أمتّان : أمة رجعية وأخرى تقدميّة. قال ذلك حين رأى ألمانيا تنقسم إلى أمتيّن في عصر بسمارك. في أمة العرب، توجد- اليوم- كما في الأمس ، أمتّان ، أمّة من مواطنين عادييّن ورجال دين وكتّاب ورجال سياسة ومال من كل المذاهب والأديان تتحالف فعلياً مع العدّو، وامّة أخرى من مواطنين عادييّن ورجال دين وكتّاب ورجال سياسة ومال ومن كل المذاهب والأديان أيضاً تقاتل ضدّ العدّو. نحن امتّان إذن افترقتا عند لحظة محددّة من التاريخ، حين أصبحتا في مواجهة العدو، واحدة تصوّرته مخلّصاً، محرّراً، واخرى رأت فيه العدّو. لا يعني وقوفي ضد أمّة الرجعيين المتحالفين مع العدّو، انني رافضي- صفوي - فارسيّ- مجوسي- يهودي؟ كما لا يعني وجود الآخر في حندق العدّو، انه ناصبيّ- سنيّ... الخ الخ. ثمة خلل في تعريف نوع الاصطفافات الأخلاقية والسياسية في هذه اللحطة من تاريخنا نحن العرب.
ثمة شيعة خونة. وثمة سنة خونة أيضاً. هناك يساريون وديمقراطيون وقوميون يقاتلون مع العدّو ، وأخرون من اليساريين والقوميين والديمقراطيين يقاتلون ضد العدّو. هناك أتباع ديانات ومذاهب أخرى صاروا في عداد الخونة، وآخرون من أتباع الديانات والمذاهب نفسها استمروا في قتال العدّو . لا يتعلق الأمر بالدين أو المذهب؛ بل بالجواب عن سؤال وحيد : قلْ لي في أي ضفة تقفْ أقلْ لك منْ أنت ومنْ أنا؟ صحيح أننا عشنا كامّة واحدة ، لكننا في الواقع منذ وقت طويل في التاريخ أمتّان، كان هناك بشر( مواطنون) مثلنا يقاتلون مع العدّو، وكان هناك منْ يقاتلون العدّو.
توقفوا عن تصنيف الخلاف على أساس الدين أو المذهب وعودوا إلى التصنيف الصحيح. منْ منا يرى العدّو مخلّصاَ ومنْ يراه عدّواّ؟ هذا هو أصل الإفتراق في الأمة إلى أمتيّن؟