لماذا نحن متخلفون؟ وعن ركب الحضارة بعيدون؟والى المجهول سائرون؟الى أين نحن عابرون؟ كل هذه الأسئلة وغيرها حيرتنا ونحن نتابع ونراقب أوضاع العالم عامة والمنطقة العربية خاصة.
حروب وانقلابات واحتجاجات وطائفية وغيرها من المشاكل التي قصفت حاضر المنطقة ورمت بها في دوامة من المجهول.
المشكلة الكبيرة هي أننا خلال هذه الأزمات اللامتناهية في المنطقة العربية لم نر نخبنا المثقفة تتصدر المشهد في توصيف الحوادث ومحاولة تفسير الظواهر لإيجاد الحلول لهذه المشاكل العديدة بل كل ما نرى سفهاء وجهلة يتصدرون الساحات والفضاءات والقنوات وفي كل المواضيع يتحدثون ويناقشون وان استلزم الأمر يفتون في أمور الدين والدنيا.
لسنا بصدد التحدث عن أشخاص معينين في هذه المقالة بقدر ما نحن نصف الوضع العام الذي تمر به الساحة الثقافية والعلمية والسياسية في العالم العربي.
فرغم أن المكتبات العامة والخاصة في كل الدول العربية والإسلامية تقريبا قد امتلأت وضجت بالكتابات المتنوعة وبآلاف الكتب والدراسات الجامعية والبحثية الصادرة سنويا إلا أنها لم تقدم لنا حلولا عملية من اجل اصلاح ما يمكن اصلاحه ولو وجدت هذه الحلول لا نرى لها تطبيقا على أرض الواقع، لكننا متأكدون أن أهداف أغلب المحللين والخبراء والأدباء الذين يصدرون كتاباتهم وأبحاثهم هي الاصلاح دون غيره وان كان بعضهم يريد الشهرة وربح المال.
ان مشكلة أغلب النخب العربية أنها مازالت تعاني من عقدة “الأيديولوجيات” في الكتابة وفي النقد،ومازالوا لم يتخلصوا منها لذلك يلاحظ القارئ لأعمالهم طغيان الجانب العاطفي أو العقائدي على كتاباتهم أكثر من الجانب التحليلي.
وهنا يشير الدكتور حسن مسكين في كتابه “أزمة النخب العربية الثقافة والتنمية” الى أن التوظيف المسرف للإيديولوجيات للنخب العربية المثقفة بكل توجهاتها اليمينية واليسارية والوسطية،كان سبباً في إخضاع شعوبها، وتدجينها لتكون في كل المجالات تابعة ومسيرة باسم ما تعتبره هذه الاتجاهات سلطة النخبة التي تملك الحق في الزعامة والقيادة، والتوجيه من أجل إبعاد الشعوب عن المشاركة في بناء المجتمع وإصلاح أحواله. كل هذا أدى إلى اختفاء وتبخر الشعارات اللامعة التي كانت تنادي بها هذه التيارات المدعية للديمقراطية والحرية والعدالة، لأنها بكل بساطة بعيدة عن الممارسة داخل تنظيماتها الحزبية والجمعوية وبرامجها السياسية.
فالقومي عندما يتحدث أو يكتب لا يمكن له أن يتخلص تماما من قوميته وكذلك الشيوعي والعروبي والاسلامي والسلفي والاخواني وغيرهم من المفكرين والباحثين العرب.
كما يعاني المثقف العربي من مشكلة الأنا المتضخمة،فمن سطع نجمه أو تذاكر الناس اسمه تتغير معاملاته و أحواله وأقواله بسبب هذه الشهرة وفي هذا الصدد يعتبر أن من المفارقات المميزة للمثقف العربي رغبته الملحة في التغيير، لكن ذلك يكون من منطق الوصاية لا المحاورة، من خلال فرض حقائقه الثابتة، وهو يهدف إلى التأثير في العامة، وعينه على الخاصة في الوقت نفسه، ويقول بالانتماء إلى العامة، وفي ذاته الداخلية إحساس بالفوقية والتعالي على العموم”.
فمخاطبة الناس من الأبراج العاجية واعتبارهم أدنى منه كمثقف لأنه يمتلك حسب ظنه الحقيقة كان السبب في تطور القطيعة بين النخب والمواطنين العاديين.
فربما ترى دكتورا في علم الاجتماع لما يحاول مخاطبة العامّيّ لا يستطيع تبسيط المعلومة وتقديمها سهلة الى المتلقّي بل دائما ما يحاول ابراز عضلاته اللغوية من خلال تكراره للمصطلحات الخاصة بعلم الاجتماع لشخص لا يميز بين الناقة والجمل كالبنائية الوظيفية والكمي والكيفي والنوعي وغيرها من المصطلحات المعرّبة.
وقس على هؤلاء الدكاترة في علم الاجتماع وغيره اخرين في مجالات أخرى كالتاريخ والقانون والعلوم وغيرها.
وما يمكن استنتاجه هو أنه هناك انفصام واضح بين ما يصدره مثقفون من خطابات، وبين ما يطرأ من تحولات سريعة في واقعنا المجتمعي، الذي يكذب هذه الأفكار التي تشبث بها هؤلاء المثقفون بوصفها حقائق، بينما الوقائع تقول إنها مجرد أحلام وأماني وأوهام.
وفي الأخير لا يمكن لنا أن نناقش هذا الموضوع وأن نحلله في بعض الأسطر لكن كفى من القلادة ما أحاط بالعنق ونرجو أن نرى نخبنا المثقفة من اعلاميين وصحفيين وخبراء ومجللين ودكاترة يتجردون من أجل البحث عن الحقيقة وانارة الرأي العام لا من أجل نصرة مذهب ما أو حزب أو أيديولجيا أو حاكم معين.