آخر مرة وطأت قدماي مقرا للتنظيم الوحدوي الناصري كانت في مارس 2010. لم اعد قط إلى العمل الحزبي. غادرت الأداة الحزبية للناصرية ثم واصلت التمحيص في الناصرية التي اخذت بعد رحيل الرجل الذي تنتسب الى مشروعه وتتخذ من اسمه عنوانا, طابعا ايديولجيا ضرب في الصميم الفكرة الناصرية وقولبها وعطل فرص تطورها خصوصا في عقدي الثمانينات والتسعينات. لم أكن يوما متعصبا للحزب أو للفكرة حتى وانا في ذروة انغماسي في النشاط الحزبي في التسعينات. ميزت دائما بين الحيز الحزبي والحيز العام والحيز الاجتماعي. وأجمل اصدقائي ليسوا حزبيين, وبعضهم من أحزاب أخرى يسارية ويمينية, علمانية ودينية. عبر السنوات تحررت كليا من أغلال الايديولجيا حتى انني لا اتذكر "ناصريتي" إلا عندما يخرج علي احد المتطرفين أو الناقمين من آرائي شاهرا علي سيف "الناصري" الذي كنته قبل سنين. على أنني لا اتنكر للناصرية بما هي مشروع تقدمي يعد الأهم في تاريخ العرب الحديث. كما لا اتنصل من علاقتي بالناصريين وتجربتي الثرية في عضوية التنظيم الناصري في اليمن, وتعلمي في هذا التنظيم الكثير من القيم الجميلة والانسانية فضلا على احتضان صحيفته لي حيث تعلمت وتقدمت بفضل محبة وتشجيع وتوجيه الزملاء الرائعين من رعيلها الأول. بالمعنى التقليدي وبالتعريف المدرسي للناصرية لم أعد ناصريا. حتى أنني تمنيت على الدوام لو أن الناصريين تحرروا من أسر المشروع الناصري بما هو تجربة من الماضي, ومن اسم ناصر ذاته. لكنني لن أخيب أمل اصدقائي "الاصلاحيين" وبعض الباحثين والباحثات الأعزاء والعزيزات الذين تذكروا أكثر من الناصريين انفسهم, ناصريتي الآفلة, وقرروا عزو ما أكتبه في الشأن المصري الى محض تعصب ايديولوجي. لتنعم قلوبهم بالسلام فأنا "ناصري" على طريقة أبرز وأهم ناقدي الناصرية في القرن العشرين! على طريقة جمال حمدان صاحب "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان", المفكر الأصيل والفنان الفاتن والجغرافي الخارق الذي حول تضاريس الأرض ألى أشعار وموسيقى ولوحات تشكيلية. ومن جمال حمدان اقتبس الفقرة أدناه لعلها تظهر ما فعله الرئيس المصري السابق بمصر, وتكشف اسرار خروج الأغلبية الساحقة من شعب مصر في ثورة غير مسبوقة في التاريخ تليق بمكانة مصر وموقعها, وتعيد لها وقعها الذي كاد أن يتلاشى في ظرف عام من حكم رئيس فقد بوصلة مصر أو أنه طوح بها بعيدا لأنه لا يطيق الستينات "وما أدراك ما الستينات"! **** جمال حمدان من أوراقه الخاصة: "الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر أول (وللأسف) آخر حاكم يعرف جغرافيا مصر السياسية وأن 'الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون... أنت مصري إذن أنت ناصري... حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كإنجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائنا... الناصرية بوصلة مصر الطبيعية مع احتفاظ كل مصري بحقه المطلق في رفض عبد الناصر لأن المصري ناصري قبل الناصرية وبعدها وبدونها" -- Sami Ghaleb facebook