يسير الخط الانفصالي باستراتيجية كبيرة، وقد نجح في إسقاط 22 مايو مبدأياً، حيث أن تغيير مسمى الجمهورية اليمنية، التي قامت في ذلك التاريخ، إلى مسمى الدولة الاتحادية هو التاج البريطاني الذي سيتقلده اليمن بمناسبة إسقاط دولته.. ربما قد لايركز البعض لخطورة الفكرة الجوهرية من حيث المستقبل، ومن راوده إحساس حولها اليوم ثم تراجع وظن أن الأقاليم الستة هي من ستكون حجة دامغة للتسمية سيعود لإحساسه الأول نادماً في حال استشهد الخط الانفصالي بهذه الفكرة مستقبلاً، نافياً بذلك قيام أي وحدة بين الشمال والجنوب من قبل العام 2013 على الأقل أن الوحدة انتهت في 94م، والاعتذار الذي قدمته الحكومة للجنوب بقرار جمهوري قد يعزز هذا النفي، إذ أن الخط الانفصالي غيَّر من واجهاته ومن مسمّياته هو الآخر.. فالحراك هو بديل عن مسمى الحزب الاشتراكي، ودولة أو أرض الجنوب هو البديل لمسمى دولة اليمن الشعبية الديمقراطية، والقيادات الانفصالية تم استبدالها بالكامل بقيادات جديدة في الواجهة، ولم تعد مركزية، بل موزعة ومتنوعة، وهو ما منحها صفة الحراك الشعبي الجنوبي بدلاً من مسمى اللجنة المركزية للحزب وهو ما معناه أن الجمهورية حينما اعتذرت للجنوب، فإنها فعلت ذلك بناءً على رغبة جديدة ووقعت في الفخ! وهي الآن وعبر مؤتمر الحوار تسير وتسعى إلى تعميق الوقوع في الفخ انتهاءً بإسقاط الجمهورية اليمنية وتأريخها القائم في 22 مايو لتقيم جمهورية جديدة في 2013 وبذلك يكون قرار الانفصال الصادر في 1994 هو الصحيح وما تم بعد ذلك كان مجرد حكم شمولي لنخبة صنعاء! وما أتمناه هنا هو أن أكون مبالغاً فقط. ولكن يظل وجود المبعوث الأممي للإشراف على الفترة الانتقالية دون مبعوث خليجي - رغم أن الأخير معني أكثر - لهو المبعث الأول للشكوك حول قوة التدخل الأممي لدعم الانفصال وإسقاط قرارات الأممالمتحدة الجديدة والعودة لإصدار قرارات مشابهة لتلك التي صدرت في 94م وأسقطها صالح باحترافية في 2011 . ما يحتاجه الخط الانفصالي اليوم هو منع مقاومة الانفصال، وهذا المنع لن يأتي إلا بخطوات استراتيجية فكرية وإعلامية وسياسية واقتصادية وعسكرية تبدأ بإزالة القدسية عن الوحدة ونشر ثقافة الكراهية في الوسط الاجتماعي وتمر إلى اعتبار الوحدة قد ماتت وحان الوقت لمحاسبة صانع الوحدة! وأما من الناحية السياسية فإن الخطوات تسير وفق خطين متوازيين: الأول، هو خط التعديلات الدستورية.. والآخر، هو خط تمهيد الطريق للدعم الأجنبي والذي بدوره سيعجل من شرعنة القضية، وكلا الخطين يعتمد على هدف خطير هو تفجير صنعاء على نفسها، من أجل تحقيق انسحاب جنوبي عملي ناجع وبهدوء من الشمال المتناحر!! تفجير الشمال على نفسه، كان يبدو مستحيلاً في ظل واحدية سيطرة مراكز القوى عليه، ليس لأن جميع المراكز كان يديرها محكم محترف في إدارة المصالح، بل لأنها قوى متشابكة مع بعضها، وما يختلف فقط هو الرأس البارز، وحالما فكر صالح بإزالة مراكز القوة الفاسدة والمتوغلة في الدولة منذ عقود لم يستطع أن يفعل ذلك بخطوات سريعة وصارمة كما يحلم بعض النقاد المثاليين!! ذلك لأنها جزء من الدولة أصلاً ومتوغلة في كافة مفاصلها وحتى في تاريخها الطويل هي موجودة وفرضت نفسها بقوة، وكان الحل الأمثل هو إزاحتها بهدوء وبنفس طويل، وحتى حين فكرت تلك القوى بإزاحة صالح، لم تستطع أن تفعل، لأنه أنشأ مراكزه بنفس الطريقة المتوازية والمتشابكة مع تمكنه من امتلاك عنصر قوة جديد هو الديمقراطية!! جميع هذه القوى نشأت بالتوازي وبالمصاحبة منذ عقود، وبالتالي تشابكت مع بعضها، ومن الصعب إزالتها بسهولة ما لم يمتلك أي طرف طريقة لبناء تحالفات خارجة عن محيط القوى المتقاسمين عليها، وهذا يحتاج لقوة خارجية تسانده، وفي حالة أخرى ما لم تفرز نفسها وتحالفاتها وتشابكاتها طارحة نفسها كعنصر وليس منظومات متشابكة.. تاركة نفسها وحيدة لاختبار الشعب الذي يعتبر هو الآخر قوة خارجة عن منظومة الحكم وعليه يقع قرار ترجيح كفة الثقل. والعبرة هنا هي في الحفاظ على الدولة من قبل كل مراكز القوى، فمن يريد إزاحة المركز المضاد له بدون المساس بالدولة لن يختار إلا الديمقراطية، أي حكم الشعب، أما من لاتهمه الدولة فهو سيختار مقوياً خارجياً يمنحه إسنادات بديلة للدولة التي ستنهار، وعلى ما يبدو أن صالح يدرك هذه الفكرة جيداً، ولذلك يقاتل من أجل الانتخابات منذ 2011 وحتى اليوم، فيما تلك القوى لا تريد من الديمقراطية أن تمكن الشعب لأن يفصل بينها وبين صالح نظراً لعلمها أنها حين فرزت نفسها واستعانت بمقوٍ خارجي إنما فعلت ذلك بقوة صارخة دفعتها لتبني سلوك الخيانة على رفيق الدرب وتبرير ذلك هو بالتحدي ومحاولات تبني الشرف والنزاهة لتمسح بذلك صورة خيانة الشركاء التي قد تنطبع لدى الآخرين حين تراها تنقلب بوحشية على من امتدحته عقوداً طويلة فقطعت على نفسها وعداً بالنصر، ولا تجد المساومات والتسويات في رأسها أي قابلية، ولذلك لاحظوا كيف تستميت على إسقاط الحصانة!! ومحاولات استقطاب كافة الاسنادات التي يتكئ عليها صالح من اجل تعميم صفة الخيانة على الجميع فلا تبدو وحيدة هي الخائنة من جهة، ومن جهة تسقط كل نقاط القوة الخلفية لصالح بما يعيقه عن التقدم والمواجهة!! إنه الحقد والصراع العبثي المفتقر لكل مقومات السياسة وفنونها، وعلى ما يبدو أن الطبيعة القبلية هي المسيطرة على العقليات السياسية، حيث ينظر للأمر على انه (قمر) ومن العيب أن تعود العلاقات بسهولة. والسياسي الناجح هو من سيحاول كسر هذه القاعدة لأنها ستربك حسابات الطرف المتشنج والسائر بخط مستقيم وتظهر اتساع المسافات أمامه وعجزه عن بلوغ الهدف بتلك العقلية، وبذلك نكون قد حفظنا للدولة وجودها ولم نكسر إلا المتشنج السائر كالروبوت الآلي حين أربكنا عقليته! ونكون قد حفظنا الشمال من التفكك والتناحر والذي يعني حماية الجنوب من التقسيم والتشظي وطمع الاستعمار القديم/الجديد، الذي يسعى بقوة لتفجير الشمال عبر تحالفات مشبوهة الزمن كفيل بتوضيحها وإن تدثرت بالعمامة. * المصدر: صحيفة "المنتصف" الأسبوعية