نتحاشى، بحرص، أن لا نخوض في شأن يتعلق بالقضاء, احتراماً لسلطته واستقلاليته. ولكن.. .. عندما تنعقد محكمة عسكرية مستعجلة وتصدر أحكاماً بعقوبات صارمة ومتفاوتة بحق 170 جندياً شملت السجن مُدداً متفاوتة وعقوبات أخرى وصلت إلى الفصل النهائي, في قضايا منها ترك المواقع وعصيان أوامر و...و...و... الخ. .. وفي المقابل هناك مذابح بشعة جماعية ومتعاقبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية بحق الجيش والأمن راح ضحيتها المئات من الضباط والصف والجنود في مواقع ومحافظات يمنية امتدت من صنعاء إلى حضرموت, آخرها اليوم (الجمعة) في شبام حضرموتجنوب شرق البلاد حيث قُتل حوالى عشرون ضابطاً وجندياً في هجوم شنه مسلحون على جنود نقطة عسكرية وهم في صلاة الجمعة, وفي هجوم آخر قتل جندي وأصيب اثنان آخران بمحافظة البيضاء وسط البلاد. .. ولا تجد محكمة واحدة انعقدت لمحاكمة القتلة والجناة الذين يُعملون القتل والذبح في الجنود, ويُثخنون في الجيش والأمن اليمني, ولا تجد مجرماً واحداً ألقي وأعلن القبض عليه, ولا سلطة أو سلطات معنية بمتابعة وملاحقة وقبض الفاعلين ومن ورائهم - وما مذبحة العرضي ببعيدة عنا.. .. ولا تشعر محكمة عسكرية أو قيادة عليا بالغيرة على دماء الجنود والضباط كما شعرت بالغيرة على الأوامر والتوجيهات العسكرية فأسرعت إلى محاكمة الجنود ومعظمهم كانوا يطالبون بمستحقاتهم بحسب ما قيل وأعلن في حينه ومع هذا لا نناقش القضاء والقضاء العسكري في هذا وفي صلاحياته.. .. ولاتجد سلطة أو قضاءً ينتصف لعشرات الضباط الذين اغتيلوا غدراً وقنصاً ولايزال الرصاص والقناصة يتصيدونهم في طول وعرض البلاد, ولم يقدم قاتل واحد في قتيل واحد لمحاكمة مستعجلة أو غير مستعجلة.. .. وأنكأ من ذلك كله, أن المحكمة الوحيدة التي انعقدت في قضية جريمة مذبحة السبعين- التي راح فيها أكثر من مائة جندي (كتيبة كاملة) تحت بصر وسمع السلطات كافة وفي قلب العاصمة وعلى مسافة أمتار من دار الرئاسة والرئيس- فإنها في هذه القضية فَجعت الضحايا في قبورهم وأهاليهم والرأي العام وفجعت العدالة ذاتها وهي تصدر أحكامها بسجن شرفي تقريباً لبضعة أعوام على الأكثر بحق المتهمين, والقضية في الأثناء منظورة أمام الاستئناف.. .. عندما تجمع هذه كلها إلى تلك لا تجد مُتسعاً من فهم أو لفهم الطريقة التي تمارس بها السلطات الرسمية اليمنية، وخصوصاً العسكرية والأمنية والقيادة العليا، مسئولياتها وواجباتها تجاه مرؤوسيها وجنودها وضباطها؟ ولا كيف يمكنها أن تبرر وتفسر عجزها وفشلها: في حماية الجنود والضباط أولاً؟ وفي ملاحقة وقبض ومحاكمة الجناة ومن ورائهم ثانياً؟ وفي القصاص للشهداء, الذين أضاعتهم القيادة مرتين.. في حياتهم وبعد استشهادهم؟! ولن نتحدث هنا والآن عن أسرهم وأبنائهم وما يعانون من إهمال وإجحاف ونكران, وفي وقف مسلسل التصفية والاغتيالات والمذابح التي لا تتوقف؟! .. إذا كانت السلطة والقيادة قد عدمت روح وحس المسئولية وكفاءة الأداء والالتزام, أو أهدرت وأرخصت دماء وأرواح الجنود والضباط اليمنيين هكذا وبدون توقف, حتى وصل الأمر إلى أن يأمر وزير الداخلية جنوده بالانسحاب ورفع الحصار عن قاتل زميلهم- باتصال من شيخ- في فاجعة مريعة تخبر عن تماهي السلطة مع الجناة حد العلن والإشهار.. .. إذا كان الأمر كذلك, فإن المجتمع والمجتمع المدني والنخب والأحزاب كان ولا يزال عليهم ومن واجبهم أن لا يخرسوا ويتواطأوا مع كل هذا العبث والظلم والغطرسة, ومن واجبهم أن يتصدوا لمقاضاة وملاحقة السلطة والمسئولين كل في موقعه وبحسب مسئوليته ووظيفته. لا أن يختلفوا في مسألة نقلهم ومناقلتهم من وظيفة ومنصب إلى وظيفة ومنصب, آخر ويسمونه تغييراً.. وعلى الشعب والإعلام والمثقفين أن يصفقوا ويحتفلوا بحكمة وثورية القيادة, بينما على الجنود اليمنيين أن ينقتلوا وينذبحوا كل يوم وباستمرار تحت طائلة حكمة وشجاعة الرئيس القائد وإشادات جمال بن عمر!!؟؟ .. إذا لم يكن هؤلاء مسئولين فمن المسئول؟ من يقتل الجنود والضباط؟ ومن يحمي القتلة؟ ومن يعيق العدالة؟ من المعيق يا بشر...؟؟؟