الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    سريع يعلن استهداف يافا بفلسطين المحتلة    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    قائد الاحتلال اليمني في سيئون.. قواتنا حررت حضرموت من الإرهاب    تراجع في كميات الهطول المطري والارصاد يحذر من الصواعق الرعدية وتدني الرؤية الافقية    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الجنوب هو الخاسر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الانفصال (12): شمَّاعة الشمال لبناء دولة الجنوب
نشر في المنتصف يوم 14 - 02 - 2014


تمهيد:
هذه الحلقات مجرد محاولة استشرافية لمسار الأحداث المتوقع في بلادنا في المستقبل المنظور انطلاقاً من مجموعة من المؤشرات والدلائل والشواهد التاريخية، ورغم تعدد الاحتمالات والفرضيات في هذا المسار، إلا أنني تعمدت سلوك مسار الأحداث الذي يلبي رغبة قوى الحراك حتى إن كان فيه قفز على الواقع في أحيان كثيرة، وذلك لمحاولة معرفة إلى أين سيصل بنا ذلك في نهاية المطاف.. هل إلى الاستقرار أم إلى الحرب الأهلية؟ أم إلى أين؟ هذا ما سنحاول معرفته.
- لاشك أن محاولة السيطرة على جيش الدولة الوليدة وعدد آخر من العوامل الداخلية التي تناولناها في الحلقة السابقة، لن تكون السبب الوحيد في تفجر الوضع الداخلي في الجنوب وعودة الصراع بين قواه الرئيسية، حيث ستغذيها عوامل خارجية لعل أهمها العلاقة بالشمال، لذا لابد من التوقف عندها قبل مواصلة الحديث عن سيناريو الأحداث المتوقع في الجنوب. وكما يلي:

ثانياً: العوامل الخارجية:
1- التوتر المستمر في العلاقة مع الشمال:
التوتر الدائم وطغيان حالة من اللاسلم واللاحرب في العلاقات بين الشمال والجنوب، في حال الانفصال، ستكون على الأرجح هي حال العلاقة بين الطرفين، ومرد ذلك ليس من باب التشاؤم وإنما لأسباب عدة نتناولها كما يلي:
أ- خلاف حدودي وبقاء الملفات الرئيسة بين الشطرين عالقة:
- أولى الأزمات المرجح نشوبها بين الشطرين؛ ستكون بسبب عدم التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب وبقاء الملفات الرئيسة (ديون، تعويضات...)، عالقة دون حل، وفي الغالب سيضع نظام الشمال مسألة حسم تلك الملفات كأولوية لديه وكشرط لتحسين علاقاته مع الجنوب، ونظرا لاستحالة التوصل لاتفاق حدودي مع التداخل الشديد بين الشطرين ومع مطالب الشمال السالفة الذكر(ضم الصبيحة وشبوة إلى الشمال والتحكم الكامل في باب المندب ومنح أبناء حضرموت وعدن حق تقرير المصير) مقابل عدم استبعاد مطالبة الجنوب بالبيضاء، كما جاء في إحدى فقرات مسودة الدستور المؤقت للحراك الصادرة العام 2010م من أن البيضاء أرض جنوبية، وهو الأمر الذي أكد عليه، أيضاً، محمد علي أحمد أثناء لقائه بوفد من مشائخ البيضاء عقب عودته إلى اليمن.
- الأمر المُسلم به يتسبب في العادة وجود قضايا عالقة وعدم ترسيم الحدود بين دولتين في نشوء حالة من اللاسلم واللاحرب بينهما أو ما يُعرف بحرب الاستنزاف، كما حدث بين الشمال والجنوب خلال حروب ما عُرف بالجبهة في المناطق الوسطى، أو كما نجده حالياً بين السودان وجنوب السودان، فرغم الجهود المكثفة من قبل الاتحاد الأفريقي والضغوط الأممية على "الخرطوم وجوبا" لحل خلافاتهما وتحسين العلاقات الثنائية، إلا أنها سرعان ما تشهد انتكاسة تعيد العلاقة إلى مربع التوتر، كما كان عليه الوضع في أبريل 2012م عندما تعهد البشير بالعمل على الإطاحة بكير، والحركة الشعبية، التي وصفها ب"الحشرة" وقال في ذلك الوقت (هناك خياران، إما أن ننتهي في جوبا أو ينتهوا في الخرطوم، وحدود السودان القديمة لا تسعنا نحن الاثنين)، وكان السبب في ذلك المواجهة العسكرية مع جيش الجنوب الذي احتل منطقة "هجليج" النفطية.
- بعد ذلك أعلن جيش جنوب السودان نهاية أبريل 2012م أنه صد هجوماً نفذه متمردون قال إنهم يتلقون الدعم من السودان، على "ملكال" عاصمة ولاية أعالي النيل.
وفي المقابل يقول السودان إن دولة جنوب السودان تساعد الحركات المتمردة المسماة بالجبهة الثورية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وفي العام 2013 نشبت أزمة بين الجانبين بسبب الخلاف على الرسوم التي تطالب بها الخرطوم مقابل تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها، وعلى الأرجح في حال تمكن سيلفاكير من القضاء على خصومه والسيطرة على الوضع في بلاده لن تمضي سوى شهور بسيطة لتنفجر أزمة جديدة مع الخرطوم.
ب- تشدد الشمال:
- تسببت تداعيات حرب 94م والممارسات الخاطئة بحق الكثير من أبناء الجنوب في طغيان صوت التيار المتشدد في الجنوب المعادي للشمال على ما عداه، وبصورة مشابهة من المرجح أن يتسبب انفصال الجنوب عبر استفتاء مشكوك في نتائجه في سيطرة التيار المتشدد في الشمال ضد الجنوب على النظام، خاصة مع تسبب التشدد في موقف قوى الحراك الرئيسة من قضية الوحدة ومن مؤتمر الحوار ومخرجاته مؤخراً في بروز تيار شمالي مُتشدد ضد الجنوب عبَّر عنه الإعلان عن قيام الحراك الشمالي، وفي تصريحات ومواقف شخصيات شمالية كصادق الأحمر أو في تلويح القيادي الإصلاحي محمد قحطان بعودة تحالف حرب صيف 1994 في ديسمبر 2013م، أو ما قيل عن كتابة شعارات معادية للجنوب في بعض شوارع صنعاء (اللعنة على الجنوب) حسب خبر نشره موقع "عدن الغد" في 16/1/2014م.
ج- تأجيج مشاعر الكراهية والعداء بين الشمال والجنوب:
في الغالب سيعمل نظاما الشمال والجنوب على تغذية مشاعر الكراهية والعداء الشعبي ضد الطرف الآخر للهروب من بعض الاستحقاقات ومواراة الفشل في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، مما يزيد من حالة التوتر على طول المناطق الحدودية خاصة مع لجوء الحراك في الفترة الأخيرة لتغذية تلك المشاعر عبر استهدافه لأبناء الشمال المقيمين في الجنوب كحادثة طرد الحراك لمئات الشماليين العاملين في يافع ومنع إحدى الأسر لشاب شمالي من أخذ زوجته اليافعية معه مطلع يناير 2014 أو في تكرار الاعتداء على المواطنين الشماليين ومحلاتهم في حضرموت.
- كما يدفع نحو مزيد من الاحتقان، لجوء الحراك في الأشهر الماضية إلى العنف وحمل السلاح ومهاجمة المعسكرات وذبح الجنود كما حصل في الشحر، أو حادثة إعدام مسلحي الحراك لتاجر بهارات في الضالع في فبراير الجاري، وما يقابله من ردة فعل من قوات الجيش، والنتيجة سقوط مئات الضحايا الأبرياء، كما حصل في مجزرة سناح، كل ذلك يكريس حالة من الكراهية المناطقية بين الطرفين، وإذا كان التوتر قبل الوحدة سببه النظامان؛ كون الشعب كان موحداً، في حين أن التوتر في الوقت الراهن راجع إلى ما يتحدث عنه الحراك من انقسام شعبي في حين أن النظام واحد، وفي حال الانفصال يفترض أن يكون هناك نظامان وشعبان، ما يعني أن التوتر سيكون أضعاف ما هو موجود حالياً أو ما كان عليه قبل الوحدة.
د- تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الآخر:
ليس خافياً أن غالبية الأحداث الرئيسة والمحطات المفصلية في تاريخ الشطرين قبل الوحدة كان لها ارتباط أو امتداد بالوضع في كل منهما، بمعنى أن أبرز الأحداث التي وقعت في الشمال كان للجنوب علاقة أو دور رئيس فيها والعكس صحيح. ومن الأمثلة على ذلك:
كان الجنوب سبب تفجر الخلاف بين القوى القبلية والدينية مع الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الارياني عام 1972م جراء توقيع رئيس الوزراء في تلك الفترة محسن العيني، اتفاقية الوحدة في القاهرة مع علي ناصر محمد، وما نجم عنه من تمكن مراكز القوى من إقصاء العيني من رئاسة الحكومة.
- اغتيل الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي قبيل سفره إلى عدن و إعلان الوحدة مع الجنوب، كما استغل الرفاق في الحزب الاشتراكي اغتيال الغشمي للتخلص من الرئيس الشهيد سالمين، وكان التوجه اليساري الثوري لقيادة الجنوب سبباً في عدم استقرار الشمال طيلة عقد السبعينات وحتى منتصف ثمانينات القرن الماضي (حربان مع الجنوب وحروب الجبهة).
- كان التعاون في مواجهة الجبهة في المناطق الوسطى المدعومة من الجنوب، السبب الرئيس في تحالف الرئيس السابق صالح مع عبدالله الأحمر والقوى القبلية والدينية، كما كان توقيع صالح عقب حرب 79م على مشروع دستور دولة الوحدة مع الرئيس الراحل عبدالفتاح اسماعيل في الكويت سبباً في توتر علاقاته بالشيخ الأحمر، وكما تسبب الحزب الاشتراكي في خروج جماعة الإخوان من المؤتمر الشعبي وتشكيل حزب خاص بهم ضمن تكتيكات الرئيس السابق، كان سبباً، أيضاً، في تحالف الإصلاح مع المؤتمر عام 94م.
- مثل كل شطر ملجأ لمعارضي النظام في الشطر الآخر، فعدن كانت مقراً لرموز قيادات الثورة ضد النظام الإمامي وللقيادات اليسارية الشمالية ضد نظام صالح، وفي المقابل كانت صنعاء قبلة لقيادات وعناصر جبهة التحرير ولتيار الزمرة والنازحين من الجنوب وهكذا.
ه - تبادل الاتهامات بدعم وإيواء المعارضين وإرجاع أي إخفاق في الحرب على الإرهاب أو الحد من نشاط الجماعات المتمردة إلى وقوف الشطر الآخر وراءها:
- سيجد النظام الجديد في الجنوب نفسه مضطراً لمواجهة الجماعات الإرهابية خاصة مع سعيه لفرض سيطرته على مختلف مناطق الجنوب، ورغم أن قوى الحراك تقلل من خطر وقوة القاعدة في الجنوب باعتبار أنها تابعة لقوى شمالية، لكن ذلك لا يعني التقليل من خطورتها خاصة مع انضواء آلاف من أبناء الجنوب ضمن الجماعات المتشددة ما يجعلها رقماً صعباً ومشكلة كبيرة ستفرض نفسها بعد الانفصال سيما أن الحراك لن يتمكن من تأمين الجنوب بمساحته الواسعة بسهولة، ما يمثل فرصة للقوى المتطرفة للسيطرة على تلك المناطق خاصة بعد أن تمكنت من السيطرة على أبين وجزء من شبوة لأكثر من عام قبل أن تغير من مظهرها بالانضواء في اللجان الشعبية.
- كما برزت الجماعات الإرهابية بقوة إلى السطح في أكثر من منطقة في فترات سابقة كما حصل في يناير 2014 بشبام حضرموت بظهور علني لتنظيم القاعدة وإشهار أرقام هواتف لنصره المظلوم وتوزيعهم في المنطقة، وقبل سنوات أعلنوا هاتف التوبة لمن أراد من رجال الأمن بالمكلا إعلان توبته عن محاربة المجاهدين، كما ظهرت جماعة (أنصار الشريعة في مدينة الحوطة وضواحيها في 6/1/2014م حسب "عدن الغد"، معلنة بذلك عن قيام ما أسمته (إمارة لحج) الإسلامية، وتوزيعها منشورات تدعو أبناء (ولاية لحج) إلى ضرورة محاربة الأمريكان وقاعدتها الموجودة في العند.
- كل ذلك يؤشر إلى صعوبة مهمة النظام الجديد في القضاء على القاعدة، التي سيكون وجود قوات أمريكية في العند واحتمال وجود قوات أجنبية أخرى لحفظ السلام ولتأمين الحقول النفطية في الجنوب، بمثابة عامل محفز لزيادة نشاطها وتكثيف هجماتها، سيكون دعم ووقوف الشمال وراء تلك الهجمات هو المبرر لمواراة الفشل في الحرب على الإرهاب.
- وفي الجانب الآخر يرجح تشكل حركة مسلحة في البيضاء تطالب الانضمام إلى الجنوب وهو ما سينظر إليه الشمال بوقوف الجنوب وراءه، كما سينظر إلى أي تنامٍ في نشاط الحراك التهامي أو في توسع الحوثي بأنه مدفوع من الجنوب.
و- شماعة الشمال لبناء دولة الجنوب:
كما ذكرنا مراراً أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة عجيبة ما يعني أن استمرار ارتباط وتداخل الأحداث والتطورات الرئيسة في الشطرين ببعضهما أمر لا جدال فيه، وسيستمر تأثر كل شطر بما يحدث في الشطر الآخر سواءً أكان ذلك برضا قادة الشطرين أم لا، وهذا الأمر ينطبق، أيضاً، على دولة الجنوب الثانية، التي يرجح لجوء البيض وبدعم من تياره لاستخدام الشمال كشماعة أو ذريعة للتخلص من خصومه وإزاحة المنافسين في طريق بناء نظام يلبي رغبته في احتكار النفوذ والسلطة والثروة وتحديد نهج وسياسات النظام بما ينسجم مع ارتباطاته وتحالفاته الخارجية.
- يفترض، وفق المعطيات الحالية، أن دولة الجنوب ستنشأ بموجب تحالف ثلاث تيارات رئيسة لدورها المحوري في قيامها، تمثل قوى الحراك الرئيسة (مجلسي البيض وباعوم) وفصائل الحراك الأخرى والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية عمودها الأول، في حين تأتي القبائل كعمود ثانٍ لتصدرها المواجهة مع النظام في هبتها الشعبية في حضرموت أو في كفاحها المسلح في الضالع ولحج، ويمثل التيار الديني ثالث أعمدة الدولة بحكم الدور الذي لعبته اللجان الشعبية المتداخلة مع القاعدة في السيطرة على الوضع في أبين وجزء من شبوة، ومشاركة عناصر إرهابية الحراك في كفاحه المسلح، وكذا في الدور المهم للتيار السلفي المعتدل في تحريك الشارع الجنوبي عبر رجال الدين والخطباء.
- إضافة إلى أن ثقل التيار الوحدوي في الجنوب لابد أن يكون له مكانة في الدولة الجديدة، فحسب كلام سابق للبيض أن 70% من الجنوبيين مع الانفصال، ما يعني أن هناك 30% مع الوحدة، والمرجح أن غالبية هؤلاء يتركز تواجدهم في أبين وشبوة وعدن، لن يقبلوا الانضواء في دولة الجنوب والتخلي عن مكاسبهم في دولة الوحدة، إلا إذا حصلوا على ضمانات تجعلهم شركاء حقيقيين في دولة الجنوب.
- يفترض أن تعبر الدولة الجديدة عن رغبات وتوجهات القوى الرئيسة فيها، لكن الإشكالية ستكون في الطريقة التي سيتم التوفيق بين الرغبات والتوجهات المتناقضة لها، فالقوى السياسية تريد دولة ديمقراطية علمانية مدنية حديثة، وفي حين أن هناك من لا يزال يحلم بنظام اشتراكي معتدل يستلهم التجربة الفرنسية أو الصينية، وفي الجانب المقابل ستطالب الجماعات الإسلامية وبدعم من القبائل بدولة إسلامية تكون الشريعة المصدر الرئيس للتشريع، ويكون للقبيلة مكانتها، كما أن هناك من يريد ديمقراطية شكلية، وهناك من يريد ربط توجهها بإيران وروسيا والصين مقابل من يريد أن تسير في فلك السعودية وهكذا.
- المرجح أن يسعى تيار البيض لفرض رؤيته على بقية المكونات خاصة أنه لا ينظر إلى المكونات الأخرى كشركاء أو أن الدور الذي لعبته يؤهلها لفرض مطالبها، وهو ما سيقابل بمعارضة شديدة من قبل غالبية تلك المكونات، لذا سيلجأ البيض للتخلص منها تحت مبررات مختلفة، لكن مع ربطها في نهاية المطاف بالشمال لضمان تأييد الشارع له عبر جعلها قضية تتعلق بكرامة ووطنية الجنوبيين، وكما يلي:
أ‌- فرض ديمقراطية شكلية يسيطر فيها رأس النظام وحزبه على كل شيء وذلك لن يتم إلا في حال تم التخلص من المنافسين السياسيين الرئيسيين خاصة من قيادات الحزب الاشتراكي وقيادات الأحزاب الأخرى التي كانت مرتبطة بالشمال كالمؤتمر والإصلاح والناصري، وسيتم ذلك تحت ذريعة ارتباطها بالشمال واعتبار استمرارها في النظام هو استمرارا ليمننة الجنوب، لذا سيعمل البيض على حظر تلك الأحزاب ومنع قياداتها من مزاولة العمل السياسي ما سيترتب عليه حملة اعتقالات واسعة في صفوفها ونزوح الكثير من تلك القيادات مع عائلاتهم إلى الشمال.
ب- السعي لاحتكار الثروة والسلطة والجيش، وذلك لن يتم إلا في حال تم إضعاف شوكة اللجان الشعبية والجماعات الإسلامية وتحالف القبائل، لذا سيتم اللجوء إلى ورقة الإرهاب ضد اللجان الشعبية وارتباطها بصنعاء، وتوجيه اتهامات لتحالف القبائل بالسعي لفصل حضرموت عن الجنوب بتنسيق مع السعودية والشمال.
ج- من غير المستبعد أن يعطي البيض الضوء الأخضر للمتشددين من أتباعه ممن سقط لهم ضحايا من أقاربهم على يد الجيش خلال عمليات الكفاح المسلح للانتقام والأخذ بثأرهم من القيادات العسكرية والمدنية عبر شن عمليات انتقامية واغتيالات تستهدف القيادات العسكرية والأمنية التي كانت في النظام أيام الوحدة، والتي ينتمي أغلبها إلى أبين وشبوة، والهدف التخلص من شراكة التيار الوحدوي في دولة الجنوب، وقطع الطريق تماماً أمام هذا التيار مستقبلاً لاستعادة قواه والحيلولة دون عودة الأصوات المطالبة بالتوحد مع الشمال مجدداً، أو حتى سماع أصوات تعبر عن ندمها لانفصال الجنوب كما حدث في إعراب عدد من مواطني جنوب السودان في تقرير ل"بي بي سي" من أحد مخيمات النازحين الجنوبيين عن حسرتهم لانفصال بلادهم عن الشمال، وهاهم يعيشون اليوم كلاجئين في أحد مخيماته بعد أن كانوا مواطنين يتمتعون فيه بكامل حقوق المواطنة.
د- السعي للسير في فلك إيران وروسيا والصين وذلك لن يتم إلا في حال تم تجاوز عقبة باعوم وتياره وتحالف القبائل.
2- استقطاب إقليمي ودولي:
- في حال افترضنا، جدلاً، أن الانفصال سيؤدي إلى تقسيم اليمن إلى شطرين فقط، فإنهما في الغالب سيكونان عرضة لمحاولات استقطاب من القوى الإقليمية والدولية، فقيادة كل شطر ستميل أكثر إلى جانب القوى الأقل دعماً للشطر الآخر، وهو ما يعني أن اليمن بشطريها ستتحول إلى ساحة رئيسة للقوى الإقليمية والدولية لتصفية حساباتها وصراعاتها وستكون أول من يكتوي بذلك الصراع.
فالرئيس السوداني ارتمى في حضن إيران، كما اضطر البشير لإعلان تأييده لأثيوبيا في نزاعها مع مصر في قضية سد النهضة رغم تهديد السد للأمن المائي لبلاده، وفي المقابل رمى كير نفسه في أحضان إسرائيل، حيث كانت أول دولة يزورها عقب إعلان استقلال بلاده، في حين اضطر للاستعانة بقوات أوغندا المجاورة في حربه مع نائبه السابق.
السعودية:
- رغم أن هناك تفاوتاً إلى حد ما في رؤية وطريقة التعامل مع الوضع في بلادنا بين الأجنحة ومراكز القوى داخل النظام السعودي، إلا أن السعودية في العموم لا تريد تقسيم اليمن بقدر ما تريد إبقاءه ضعيفاً سائراً في فلكها، إلا أن تنامي قلقها من احتمال تمكن حزب الإصلاح المدعوم من قطر في إحكام سيطرته على الحكم في صنعاء، وتحول إيران إلى اللاعب الرئيس في الجنوب، جعلها في الأشهر الأخيرة تنتقل إلى الخيار البديل المفضل لها بالتركيز على حضرموت ومحاولة فصلها عن اليمن، إضافة إلى استخدام حضرموت كورقة ضغط على الرئيس هادي لإجباره على التراجع عن مسعاه لاستخراج نفط الجوف.
إيران:
- يؤكد كلام القيادي بالحراك عبد الفتاح جماجم، العائد من طهران قبل ثلاث سنوات ل"الجزيرة نت" في 4-1-2014 أن إيران لا تريد دعم الحراك "لاستعادة دولة الجنوب وإنما لفرض سيطرتها عليه، وإشارته إلى اشتراطهم إشراف الحوثي على هذا الدعم، مع توقعات الإيرانيين بأن جماعة الحوثي سيتوسع نفوذها مثلما توسع حزب الله في لبنان"، يؤكد سعي إيران لتحويل اليمن بمختلف مناطقه إلى ساحة نفوذ لها، ما يعني أن زحف الحوثي الأخير لن يتوقف في صنعاء أو مناطق الشمال بل سيصل في مرحلة تالية إلى جميع مناطق الجنوب مع العلم أن هجمات قوات الإمام في النصف الأول من القرن الماضي تركزت على لحج وشبوة، وربما يكون تواجد الأسر الهاشمية في حضرموت وشبوة عاملاً مساعداً للحوثي في السيطرة على كل اليمن.
- في حال افترضنا، جدلاً، أن القوى الدولية قد تعيد النظر في موقفها من الوحدة وتضطر إلى تأييد الانفصال، فإن المرجح أن يكون الثمن الذي سيدفعه الجنوب باهظاً وينتقص كثيراً من حقيقة استقلال الجنوب، بمعنى أن الولايات المتحدة بما تتمتع به حالياً من مزايا عدة يوفرها لها التعاون مع اليمن في محاربة الإرهاب، فإنها ستطالب بمقابل مجزٍ وأكثر إغراءً لها مما تحصل عليه من دولة الوحدة، وربما أنه لن يتوقف عند المطالبة بإقامة قاعدة عسكرية في سقطرى لسنوات طويلة وتواجد عسكري في العند، كما أن بريطانيا وروسيا وفرنسا ستدخل على الخط وستطالب بحصتها من الكعكة، وكل ذلك سيكشف عن وهم استقلال الجنوب.. وإذا كان اليمن حالياً تحت الوصاية الدولية فإن الجنوب سيكون تحت الاحتلال في بعض أجزائه. ....يتبع
* المصدر: صحيفة "المنتصف"
* عبدالعزيز ظافر معياد, كاتب وباحث سياسي يمني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.