موسكو- لا يزال الغرب يحاول استيعاب الصدمة عقب ضم روسيا للقرم، محاولا التضييق على موسكو بشتى الطرق والأساليب، في حين تواصل السلطات الروسية تشديد قبضتها على شبه الجزيرة قانونيا وعسكريا. وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، قانونا يوقف تنفيذ الاتفاقيات الروسية الأوكرانية الخاصة بمرابطة أسطول البحر الأسود الروسي في أراضي أوكرانيا وذلك بعد انضمام القرم، حيث يقع مقر الأسطول. وبادر بوتين إلى إلغاء الاتفاقيات باعتبار أن موضوعها لم يعد قائما إذ باتت القرم جزءا من الأراضي الروسية. وأقر مجلسا البرلمان (النواب والاتحاد) مشروع القانون الخاص بإيقاف مفعول الاتفاقيات الأربع وهي تعود إلى عامي 2007 و2010. وجاء في المذكرة المرفقة بالقانون، أنه "بعد توقيع المعاهدة بين روسيا الاتحادية وجمهورية القرم حول انضمام الأخيرة لروسيا وإنشاء وحدتين إدارتين جديدتين في قوام روسيا (جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول)، لم يعد موضوع الاتفاقيات الروسية-الأوكرانية قائما وذلك بسبب وقف إيجار مؤسسات أسطول البحر الأسود الروسي على أراضي أوكرانيا". وكانت اتفاقيات خاركوف التي وقعها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عام 2010، قد نصت على تمديد إيجار مؤسسات أسطول البحر الأسود الروسي حتى عام 2042، مقابل إلغاء الديون الأوكرانية لروسيا. وبالتزامن مع هذه الخطوة التي تزيد من تصعيد التوتر بين موسكو والغرب وخاصة مع واشنطن قال مسؤول عسكري أميركي ل"رويترز"، إن "أرفع جنرال أميركي في أوروبا يدرس خيارات من بينها إرسال سفينة حربية أميركية إلى البحر الأسود وتعزيز المناورات المقررة لحلف شمال الأطلسي ردا على ضم روسيا منطقة القرم إلى أراضيها". وأضاف المصدر نفسه، أنه قد يتوجه أيضا فريق صغير من نحو 10 جنود من لواء بالجيش إلى أوروبا في وقت لاحق، لتحسين الاستعداد بشأن نشر قوة أكبر خلال فصل الصيف في إطار قوة عسكرية للرد، تابعة لحلف الأطلسي. وقال المسؤول الذي طلب ألا ينشر اسمه، "هذا الفريق القتالي من المقرر فعلا أن يكون جزءا من قوة حلف الأطلسي للرد في فصل الصيف القادم". من جانب آخر، دعت وزارة الخارجية الروسية الحكومة الأوكرانية، أمس، إلى تبني دستور أكثر توازنا لحماية الأقليات في البلاد. وألقت الخارجية باللوم في الأزمة السياسية الحالية في أوكرانيا على عدم استقرار الأساس القانوني، وفقا لما ذكرته وكالة "ريا نوفوستي" الروسية للأنباء. وجاء في بيان الخارجية الروسية، "أن غياب قانون أساسي متوازن في البلاد يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الجماعات العرقية على نحو كاف، هو سبب الاضطرابات السياسية التي هزت الحكومة الأوكرانية ومؤسساتها على مدى السنوات القليلة الماضية". ودعت موسكو سلطات كييف الجديدة إلى صياغة دستور اتحادي جديد يمنح سلطات أوسع للمناطق المتباينة في البلاد المقسمة بين غرب ينطق بالأوكرانية على نطاق واسع وشرق ينطق بالروسية. وذكرت الوزارة، أنه لا يجب أن تكون التغييرات التي طرأت على الدستور مجرد لمسات تجميلية لنصوص سابقة، مطالبة بتبني اتفاق اجتماعي بصيغة جديدة يحظى بقبول المجتمع الأوكراني متعدد الأعراق بوصفه راسخا وموثوقا به، على حد تعبيره. واعتبرت الخارجية الروسية أن تعليق التعاون بين روسيا وحلف (الناتو) في مجال التصدي للتحديات والتهديدات المعاصرة، ليس من مصلحة روسيا والدول الأعضاء في الحلف على حد سواء. وجاء في بيان صدر عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش، الأربعاء، أن لهجة بيان حلف (الناتو) حول تعليق التعاون مع روسيا، تشبه اللغة التي استخدمت أيام الحرب الباردة. وذكر الدبلوماسي الروسي أن الجميع يعرف نتائج تجميد عمل المجلس آنذاك، إذ بادر الحلف نفسه إلى إنعاش الاتصالات في إطار المجلس. وقال لوكاشيفيتش، "ليس من الصعب أن نتصور من سيستفيد اليوم من تعليق العمل المشترك بين روسيا و(الناتو) في التصدي للأخطار والتحديات المعاصرة التي يواجهها الأمن الأوروبي في مجالات مكافحة الإرهاب والقرصنة والكوارث الطبيعية". تأتي هذه التصريحات عقب إعلان حلف شمال الأطلسي (الناتو) تعليق مجمل التعاون العملي مع روسيا في المجالين العسكري والمدني بسبب ما وصفه احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم وضمها في وقت سابق، الثلاثاء. واتخذ القرار وزراء خارجية الحلف الذين حثوا روسيا في بيان لهم على اتخاذ خطوات عاجلة للعودة إلى الالتزام بالقانون الدولي، كما أمر الحلف المخططين العسكريين بصياغة إجراءات لتعزيز دفاعاته. كما قرر مجلس (الناتو) الرفع من مستوى قدرات دول الحلف العسكرية في سياق الأزمة الأوكرانية، بحسب ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن. وأشار راسموسن إلى أن (الناتو) ينوي تعزيز وتجديد الخطط العسكرية وإجراء التدريبات، واتخاذ قرارات بشأن نشر قوات إضافية، مشددا على أن الحلف يبقى ملتزما بتأمين دفاع الدول الحليفة. وقال راسموسن، إن "قوات (الناتو) رفعت من نشاطها العسكري على الحدود الشرقية للحلف، حيث تجري فوق الأراضي الرومانية والبولندية طلعات منتظمة لطائرات الإنذار المبكر بعيدة المدى "أواكس". في المقابل نفى أمين عام الحلف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، موضحا أن (الناتو) كمؤسسة لا تزاول مسائل الإمداد بالسلاح، وفي مثل هذه الطلبات يجب أن التوجه إلى دول محددة في الحلف. وللإشارة فإن التوتر الروسي الغربي، اتخذ في الآونة الأخيرة منحى تصعيديا جراء ضم موسكو لشبه جزيرة القرم، عقب استفتاء مثير للجدل قامت به سلطات الحكم الذاتي للانفصال عن أوكرانيا نهائيا.